2018: معاً لحماية الإنترنت
لم تكن شبكة الإنترنت يوماً مجرّد وسيلة تقنية للتواصل. منذ تأسيسها، وحتى قبل تأسيسها، وضع رواد هذه الشبكة مبادئ جعلت من الإنترنت ثورة صاغت مبادئ اجتماعية جديدة. خلال السنوات الماضية بدأ هذا النسيج الإجتماعي يتصدع إلى أن انهار مؤخراً أبرز مبدأ يعطي شبكة الإنترنت قوتها: حيادية الإنترنت.
في مقال للصحفي راسل براندون في موقع the verge يقول براندون أننا تخلينا عن كل المبادئ التي تجعل شبكة الإنترنت مجانية ومفتوحة. يتحدث براندون عن جوزيف كارل روبنيت ليكليدر الذي كان مديرا في وكالة مشاريع البحوث المتقدمة بوزارة الدفاع الأمريكية (أربا)، والذي قدّم عام 1968 ورقة بعنوان «الكمبيوتر كجهاز اتصال» عرض فيها رؤيته لشبكة الإنترنت: «منظمة جديدة جذريا من الأجهزة والبرمجيات، مصممة لدعم العديد من المستخدمين في وقت واحد، ولتقدم لهم تفاعل سريع سلس مطلوب لتحقيق شراكة فعالة بين الإنسان والحاسوب فعالة». يقول براندون أن ليكليدر «تصور الإنترنت كخليط من الشبكات اللامركزية، ينتفي معناها عندما تكتب حفنة من الشركات معظم البرامج، وتدير معظم حركة المرور.
وضع ليكليدر مجالا متكافئا لمختلف الشبكات والبروتوكولات، ينتفي معناه عندما يتيح هذا الانفتاح نوعا جديدا من القوة الاحتكارية. والأكثر إيلاما هو أن هذه الشبكة الجديدة كانت يتم تصورها كمنتدى لتبادل الأفكار بحرية، من دون أن يكون هناك أي معنى لكيفية عملها عندما يصبح هذا التبادل شرساً وقمعياً».
مع انهيار حيادية الإنترنت، جراء قرار لجنة الإتصالات الفدرالية في الولايات المتحدة الأميركية منذ أسابيع بإعطاء شركات مزودي خدمة الإنترنت (ISP) صلاحية حجب وإبطاء وتسريع المواقع والتطبيقات، تكون هذه السنة قد انتهت بتدمير أهم مبادئ شبكة الإنترنت التي يلخصها براندون بخمسة: البنية التحتية المفتوحة، المجهولية، الملكية اللامركزية، الخطاب الحر والإبتكار من دون إذن.
فالبنية التحتية المفتوحة للإنترنت تلقت ضربتها القاضية مع قرار لجنة الاتصالات الفدرالية، وأكثر الشركات المستفيدة من القرار والتي يمكن مشاهدة سيل لعابها من مسافة أميال هي Verizon, AT&T ,Comcast وهي من أكبر مزودي خدمة الإنترنت في الولايات المتحدة الأميركية. قد يصبح الإنترنت مثل شبكات الكابل الخاصة بالتلفزيون وهذا بالتحديد ما تسعى اليه تلك الشركات، إذ يريدون تحديد ما يمكن أن تتصفحه على الشبكة من خلال باقات يشتريها المستخدم وهي تكلفة إضافية غير تكلفة الإشتراك بالإنترنت.
اليوم تهدف مئات شركات التكنولوجيا الى توعية المستخدمين من مخاطر هذا القرار الجديد وهي تدعوهم الى التظاهر ضده ومن أبرز المناوئين له facebook و reddit, twitter وairbnb و snapchat. تقوم تلك الشركات من خلال مواقعها وتطبيقاتها بنشر رسائل بهدف تشكيل رأي عام رافض للفكرة. المهمة الأساس تكمن في عدم السماح لصناع القرار الأميركيين، وتحديدا الجمهوريين منهم، بتحويل شبكة الإنترنت مثل ما حصل مع التلفزيون ومع الراديو إذ يجب أن يبقى الإنترنت فضاء حر يسمح بالتنوع ويضمن الحقوق لجميع المستخدمين.
أمّا الخطاب الحر، والذي جعل الانترنت منصة حقوقية وإجتماعية، بات محاصراً من الحكومات والأجهزة والشركات التي تفرض معايير رقابية على الشبكة وتتبع المستخدمين من موقع إلى آخر. فتحجب المواقع التي لا تعجبها وتسكت الأصوات المعارضة وتغلق حسابات المواطنين… ورغم أن الإنترنت في الأساس يعمل بشكل لامركزي ولا يمكن لأي أحد في العالم أن يملكه أو يضع قوانينه الخاصة عليه إلا أن صعود نجم بعض الشركات من خلال كمية المستخدمين لديها فتح لها الباب أمام إحتكار الخدمات التي تزود بها المستخدمين وجعلهم يدفعون أكلاف إضافية لمجرد الجشع.
هكذا تم نسف مبدأي الملكية المركزية والإبتكار من دون إذن. كيف؟ لنأخذ مثالاً شركة أوبر؛ تعتمد أوبر اليوم على شركتين لإيصال خدماتها للعالم هما آبل وغوغل إذ أن عالم الهواتف الذكية اليوم مقسوم بين أجهزة آبل ذات نظام التشغيل iOS والأجهزة الأخرى التي تعتمد نظام التشغيل أندرويد ANDROID من غوغل، ماذا لو أوقفت أبل أو غوغل تطبيق أوبر عن متجرها ماذا سيحدث؟ ستنهار الشركة خلال ساعات. وبالتالي فإن هذا الإحتكار جعل الإبداع محصوراً بشركتين تعطيان المبتكرين الإذن بوضع ابتكاراتهم في متاجرهما، فمن دون أن تأخذ غوغل وآبل حصتهما من أي ابتكار لن يكون بإمكان هذا المنتج أن يصل إلى أحد. هكذا بات الإبتكار يحتاج إلى إذن ولم تعد الشبكة منصة مجانية وغير مقيدة للإبتكارات. وبرغم ما قلناه سابقاً عن أن الإنترنت في الأساس يعمل بشكل لامركزي إلا أن الإحتكارات باتت هي القاعدة حيث أصبحت الشبكة مركزية بشكل متطرف، بأي معنى؟ اليوم هناك غوغل للبحث، فايسبوك للتواصل الإجتماعي، واتساب (الذي تملكه فايسبوك) للتراسل، أمازون للبيع وأوبر للتوصيل. كل شركة من هذه الشركات تسيطر على قطاع كامل وتحصل على جميع بيانات المستخدمين.
أمّا المجهولية التي كانت تميز الانترنت سابقاً حيث كان بإمكان أن يكون الشخص من يريد، وأن يختار الإسم الذي يريده، وأن يتصفح ما يريد من دون أن يعرف من هو، إختفت مع ظهور فايسبوك الذي فرض سياسة الإسم الحقيقي، فباتت اليوم حساباتنا على جميع المواقع والتطبيقات مسجلة بأسمائنا، يعرفون الأفلام التي نشاهدها، والمواقع التي زرناها، والصفحات التي دخلنا إليها، والأغراض التي اشتريناها.
دائما ما كانت حرية الإنترنت تفتح شهية الشركات العملاقة لإبتكار أساليب إحتكارية وإجترار قوانين تضمن لهم أرباحا إضافية طائلة ولكنهم دائما ووجهوا بأشخاص سقطوا شهداء في سبيل الدفاع عن حرية المستخدم. أرون سوارتز المبرمج الشاب والناشط الذي ساهم بإنشاء ما يسمى اليوم بال RSS وخدمة REDDIT، قاد حملات ضد قانوني SOPA وPIPA الذين كانا يهدفان إلى تشريع الرقابة على الإنترنت ودعا الى حملات وتظاهرات ساهمت الى حد كبير بإيقاف تلك التشريعات. وجد سوارتز مشنوقا في كانون الثاني عام 2013 وما زالت ملابسات «إنتحاره» محط تساؤلات للعديد من المدافعين عن حرية الإنترنت.
في فيلم Batman Begins يقول مفوض الشرطة جيم غوردون لباتمان من على سطح أحد مباني مدينة غوثام:» إذا بدأنا بإستعمال الأسلحة النصف أوتوماتيكية سيبدأون بإستعمال الأوتوماتيكي (يتكلم عن عصابات المدينة) وإذا استعملنا دروع الكيفلار سيستعملون رصاصا ضد الدروع.» رغم أن العصابات هنا هي شركات مزودي الخدمة إلا أن ما سبق ينطلي عليهم، إذ لا خوف على الإنترنت في حال أرادت شركة ما احتكار الخدمات لأنه دائما سيبرز مبرمج ما، سيسمونه قرصانا أو مخترقا، ليجد طريقة تسمح للمستخدمين بتصفح الانترنت بحرية كما أريد لهذه الشبكة أن تكون.
صحيفة الأخبار اللبنانية