3 أهداف لمعركة الساحل السوري الثانية… وخط أحمر سوري (ناجي س. البستاني)

 

ناجي س. البستاني 

في الرابع من آب 2013، شنّت عشر كتائب مسلّحة تابعة للمعارضة السورية المسلّحة هجوماً مفاجئاً ومنسّقاً على قرى ريف اللاذقيّة، تحت عنوان "عملية تحرير الساحل السوري"، بينما كان الحديث الإعلامي هو عن هجمات في مواقع أخرى تماماً. لكن الجيش السوري نفّذ هجوماً معاكساً بعد نحو أسبوع إستردّ فيه كل المناطق التي دخلتها قوّات المعارضة. واليوم، وبعد سبعة أشهر على فشل الهجوم الأوّل، تحاول المعارضة السورية تكرار "السيناريو" نفسه، تحت تسمية "معركة الأنفال"، فهل ستختلف النهاية هذه المرّة أم ستكون الخاتمة مُكرّرة؟
إذاً، بينما كان الحديث الإعلامي يتركّز على إستعدادات لهجوم واسع إنطلاقاً من درعا على الحدود مع الأردن، نفّذت وحدات تابعة للمعارضة السورية (1) هجوماً مفاجئاً ومنسّقاً إعتباراً من يوم الجمعة الماضي، وذلك على ثلاثة محاور (2). وقد صوّبت سوريا إتهاماتها على تركيا بتأمين التغطية اللوجستية للهجوم الذي إنطلق في جانب منه من الأراضي التركيّة، والذي نجح في السيطرة على بعض التلال والبساتين الحدودية، وخصوصاً على الجزء الأكبر من بلدة كسب (3) التي نزح سكّانها وأغلبيتهم من الأرمن إلى مناطق أكثر أماناً ضمن محافظة اللاذقية، خاصة إلى مدينتي اللاذقية والبسيط. وأهداف الهجوم الجديد للمعارضة متعدّدة، وأبرزها:

أولاً: السيطرة على المزيد من المعابر الحدودية بين تركيا وسوريا، ما يؤمّن لها خط دعم لوجستي خلفي مهم ومترابط، علماً أنه لم يبق حالياً أيّ معبر مع تركيا تحت سيطرة الجيش السوري، باستثناء معبر القامشلي في محافظة الحسكة المُقفل عملياً.

ثانياً: توجيه ضربة معنوية كبيرة للنظام السوري، بفعل وقع التداول الإعلامي عن خسائر ميدانية للجيش السوري في محافظة اللاذقية التي تضم مدينة القرداحة مسقط رأس الرئيس بشار الأسد، علماً أنّ هذه المحافظة تُعتبر المعقل الأبرز للنظام، إن من ناحية الدعم السياسي الذي تؤمّنه له والروابط العائلية والمذهبية التي تربط سكانها به، أو من ناحية نوعية الوحدات العسكرية المنتشرة فيها والتجهيزات القتالية التي بحوزتها.

ثالثاً: محاولة الوصول إلى الساحل على أمل السيطرة على خط بحري بطول يكفي لاستقبال سفن شحن، ولو صغيرة الحجم، بشكل آمن، الأمر الذي من شأنه أن يفتح الباب أمام إحتمال نقل الأسلحة والعتاد إلى المعارضة السورية عن طريق خط بحري، ومن دون أيّ رقابة أو سيطرة من قبل أيّ طرف، باستثناء المُرسل والمُتلقّي.  

هذا بالنسبة إلى أبرز أهداف المعارضة، لكن النظام السوري عازم على إفشالها كلّها، حيث أنّه وكما في هجوم الساحل السابق في الصيف الماضي، إستقدم تعزيزات مدرّعة كبيرة لشن هجوم مضاد لا يزال متواصلاً حتى لحظة إعداد هذا المقال، في الوقت الذي تقوم مدفعية الجيش السوري وراجمات صواريخه بقصف المناطق التي تقدّمت إليها وحدات المعارضة، بالتزامن مع تنفيذ طائرات سلاح الجوّ السوري غارات كثيفة على المنطقة وصولاً إلى معبر كسب الحدودي. وعلى الرغم من أنّ النظام السوري يُدرك تماماً أنّ سلاحي البحر والجوّ التابعين له قادران على منع وصول أيّ شحنات سلاح إلى المعارضة السورية بشكل مباشر من البحر الأبيض المتوسط، فإنّه عازم على منع أيّ سيطرة لقوات المعارضة على أيّ منفذ بحري مهما كان صغيراً. والسبب منع حيازة المعارضة السورية ورقة ثمينة قد تستغلّها للمطالبة بفرض منطقة حظر جوّي أو بحري بحماية دوليّة أو تركية في المستقبل. وإذا كانت سيطرة المعارضة على بعض المعابر الحدودية الإضافية مع تركيا لا تُغيّر في الواقع الميداني العام، فإنّ الوصول إلى خط شاطئ البحر الأبيض المتوسّط يعني تغييراً جذرياً في وسائل الدعم الذي تتلقّاه منذ ثلاث سنوات حتى اليوم، وهذا "خط أحمر" لن يسمح الجيش السوري بحصوله أيّا تكن الكلفة.
وفي الختام، إذا كانت تركيا تدعم المعارضة السورية في معاركها الساحلية، إنطلاقاً من خلافات حدوديّة وسياسيّة تاريخية مع سوريا، وخوفاً من تكتلات مذهبيّة محاذية لحدودها قد تُشجّع على إنفصال الأقليّات المشابهة المنتشرة على أراضيها في المستقبل، فإنّ النظام السوري عازم على عدم منح المعارضة السورية أيّ إنتصار على الخط الساحلي، حتى لو كلّفه الأمر إضعاف جبهات أخرى لصالح هذه الجبهة الحيوية جداً بالنسبة إليه، ميدانياً ومذهبياً وحتى معنوياً.

 (1) تضم وحدات من كل من "جبهة النصرة" وحركة "أنصار الشام"، و"كتائب شام الإسلام" و"جبهة ثوّار سوريا".
(2) محور جبل السمراء، وتلة "المرصد 45" ومعبر "كسب" الحدودي على الحدود الشمالية لسوريا مع تركيا.
(3) كانت هذه البلدة تتبع تاريخياً لواء الأسكندرون، لكن بعد سيطرة القوات التركية على الأسكندرون وضمّه وإعلانه جزءاً من الجمهورية التركية تحت إسم  "هاتاي"، في العام 1939، عدّلت المفوّضية الفرنسية الحدود، وألحقت بلدة كسب بمحافظة اللاذقية السورية. 

الالكترونية اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى