إحذروا بايدن…فهو لا يفاوض دائما
لكم أن تتخيلوا رجلاً تخطى الثمانين عاما، أمضى جلّها يحلم بأن يُصبح رئيسا، وجلّها أيضا على مقاعد الكونغرس وبعضها قريبا من جورج بوش الذي اجتاح العراق ، وبعضها الآخر مُلاصقا باراك أوباما الذي أراد قصف سورية. تخيلوا هذا الرجل المُبتسم والموحي بود الطباع، أن يقبل في مستهل تحقيق حلمه تقديم تنازلات كبرى لإيران وجعلها تباهي بالنصر عليه وعلى الأوروبيين وإسرائيل وبعض دول الخليج. لا شك أن على الإنسان أن يكون ساذجا أو بعيدا تماما عن الواقع كي يذهب بتخييّله الى هذا المستوى.
للأسف، بعض الخيال العربي هو هكذا. كلّما جاء رئيس أميركي يرمون كل أحلامهم وخيباتهم عليه. وهو غالبا ما يصدمهم. وبايدن الذي دعم بقوة غزو العراق وتقسيمه الى جانب الرئيس ” التبشيري” جورج بوش، سيصدم المراهنين عليه، من عرب وفرسٍ وأتراك. فهو لن يتنازل، ولن يقدّم هدايا مجانية، وسيكون مستعدا لكل شيء، اقول لكل شيء، حتى يبدو رئيسا قويا. وهنا تختلط الطموحات الكبرى له مع بعض العقد الشخصية التي رافقته منذ طفولته حيثُ كان ( وربما ما زال بعض الشيء) يُتأتيء في الحديث وهو ما تطلب معالجته لسنوات طويلة.
دعونا نرى الواقع عن قرب:
- لا يُمانع بادين من العودة الى الاتفاق النووي ورفع كل العقوبات عن إيران في حالة واحدة: هي تعزيز مكانته كرئيس، اي الإمتثال لكل شروط الاتفاق النووي، اي التخلي نهائيا عن مشروع السلاح النووي الذي تقول طهران انها لا تريده ولكنها تعمل لأجله. وفي المرحلة الثانية سيُضطر بايدن ( أقول يُضطر لأن الضغوط الداخلية عليه ستكبر مع كل عقبة وفشل) لأن يرفع سقف شروطه في وجه إيران لتشمل دورها الاقليمي وصواريخها الباليستية. أقل من هذا لن يقدم عليه مهما حصل، حتى لو استخدم كلمات منمّقة
- لن يُقدم بايدن على أي خطوة تُهدّد أمن إسرائيل. هذا خط أحمر، لن يقوى، لا هو ولا غيره على تخطيّه في اي سياسة خارجية خصوصا مع إيران.
- الرئيس الأميركي مقبل على انتخابات نصفية بعد أقل من عامين. كل تنازل أو فشل الآن يعني عمليا تعزيز وضع خصومه الجمهوريين، وانتعاش جماعة دونالد ترامب الذين يربو عددهم على 70 مليونا. هؤلاء ينتظرون عند كل مفترق للانقلاب عليه وأيضا على القسم التقليدي من حزبهم.
- لا تتفق خطط بايدن بالضرورة مع التفكير العميق في البنتاغون الذي يعمل منذ سنوات طويلة على الحد من التمدد العسكري والأمني والسياسي لايران. هو مضطر لمسايرة البنتاغون والخضوع لبعض خطوطه الحمراء.
- في الجانب الايراني الأمور معقّدة أيضا، فمُرشد الثورة علي خامنئي ليس شابا ولا يتمتع بصحة جسدية ممتازة. لا يستطيع وهو في مرحلته العمرية هذه أن يُقدم على تنازلات لأميركا مهما اشتدت الوطأة عليه، هو لم يفعل هذا سابقا حين كان ما زال أصغر عمرا وأقل وهنا، الا أذا شعر بأن الخناق يضيق جدا فيلجأ الى شيء من المرونة من منطلق شعار ” تجرّع السم” او ” تراجع المُصارع للتقدم بقوة أكبر”.
- نظرة خاطفة على ما جرى مؤخرا بين حكومة الرئيس حسن روحاني والبرلمان المتشدد، تشي بحدود المناورة حيال الاتفاق النووي عند الدكتور روحاني وفريقه. البلاد مقبلة على انتخابات رئاسية، ومشاعر الانتصار ضرورية في هكذا مرحلة، حتى ولو لم تكن دائما انتصارات فعلية.
لو وسّعنا البيكار قليلا، سنرى بذور مجابهة أميركية مع كل الصين وروسيا، ينضم اليها بعض الحلفاء الاوروبيين فعليا وجميعها علنا، وسنرى تهديدات علنية من المسؤولين الاسرائيليين بالاقدام على خطوات ضد طهران لمنعها من الحصول على ما يُمكنها من السلاح النووي، وهي لن تتردد بالقيام بأي شيء لذلك، تماما كما قتلت العالم النووي الإيراني بعملية معقدة مؤخرا. وسنرى كذلك استعدادا لدى بعض دول الخليج وفي مقدمها السعودية والامارت والبحرين لدعم اي خطوة ضد إيران وتأسيس تحالف أوسع.
الوضع اذا ليس بالسهولة التي يتحدث عنها كثيرون، ولو كنتُ عربيا لادركت أن سوريا والعراق ولبنان، ستكون ساحات مفتوحة لمبارزات متعددة، وسيختلط فيها العمل المُباشر، مع الضغوط، مع التفتيت الداخلي ،مع عودة الارهاب بأشكال مختلفة. ففي ليبيا وحدها 20 ألف مرتزق أجنبي يجب خروجهم، وفي سوريا عشرات الآف أيضا، هؤلاء لن يستطيعوا الذهاب الى الغرب، وسيتحولون الى ذئاب منظمة أو شاردة في براري الشرق الأوسط.
ليست الأمور سهلة، كما يعتقد خيال البعض. بادين ليس مغروما فقط بالتفاوض، فهو سريع التقلبات أيضا وقد يُحارب.انظروا ماذا فعل أمس في الشرق السوري. قصف قوات إيرانية بمجرد أن وصله تقرير المخابرات عمن هاجم الأميركيين في أربيل والسفارة في بغداد… إحذروا قبل أن تتوكلوا.
خمس نجوم