قبل سويعات من حفل الشواء…
تستورد تونس ذات الاقتصاد المهلهل هذا العام مئات الآلاف من رؤوس الخرفان الاسبانية للتمتّع بذبحها في يوم واحد …! …عيد الإضحى ..
إليكم ما خطّه خاروف قبل سويعات من حفل الشواء:
أيّها السادة أصحاب السكاكين والأسياخ والسواطير من القصّابين والشوّائين وعمّال المسالخ …أنتم ما عدتم تخيفونني ..
نعم، لم تعد ترهبني أبواطكم البلاستيكيّة ولا مراويلكم الملطّخة بالدماء، أقولها بعظمة لساني هذا الذي سوف يطبخ يوما في طنجرة بخاريّة ويتلذّذ به أحد أصحاب الألسنة الناطقة واللاحسة.
أقول قولي هذا دون ندم أو تبجّح …لا لأنّي خروف انتحاري يسابق القطيع إلى حتفه في المناسبات و الأعياد، – معاذ الله- فتلك مشيئة الخالق في خلقه، فقدرنا – معشر الأغنام – أن نشوى على نار الدار الأولى، ولا أقولها بتهوّر واستخفاف فلطالما نظرت إلى رؤوس العشرات من زملائي وقد علّقت على مداخل المدن وبين أسنانها الضاحكة عرق من البقدونس، ولطالما شاهدت جلودنا تبسط أرضاً ويفترشها أهل العلية في خيامهم وقد تدثّروا بفرواتها، حتّى أنّي لمحت البارحة قرني والدي رحمه الله يستخدمان كمشجب لتعليق الثياب في أحد البوادي، وقيل أنّ دماءنا تطلى بها أواني الفخّار فتصبح أصلب و أكثر حنوّاً على الطعام.
أيّها السادة الذبّاحون والسلاّخون والطبّاخون والمستطيبون للحمنا الطريّ…
قيل أنّ الإنسان حيوان ناطق وها أنا أنطق مجازاً، وقيل أنّه حيوان ضاحك وها أنا أضحك من غبائكم ، وقيل أنّ الإنسان حيوان عاقل ..!..فما حاجتي إلى العقل الذي سوف يؤدّي بي حتماً إلى الجنون…
أيّها السادة العقلاء، أنتم تسخرون من ( القطيعيّة) في سلوكنا وتتّهمون بها بعضكم، نحن معشر القطعان نتّبع ( كبيرنا) الذي عادة ما يعلّق جرس في رقبته ليأخذنا إلى مواطن العشب والمياه في مأمن من الذئاب وتحت أعين الرعاة وحراسة الكلاب، على عكس قطعانكم البشريّة التي غالباً ما تعجب بالرأي الفاسد وتصيح لأصحاب الجمل المنتفخة والشعارات الكاذبة والآراء المضلّلة .
أنا لا أهاب سكاكينكم وشوكاتكم وأسياخكم لأنّي لا أعرف الخوف وأسلّم رأسي لأي يد تمتدّ إليّ عن نيّة حسنة أو سيّئة، و أعلم أنّ العلف الجيّد يعقبه سكّين حادّ…وجيّد .
أيّها السّادة النباتيون مثلي و اللاّحمون مثل أعدائي الذئاب، لقد كنت صباح هذا اليوم في سوق الغنم- أعجب لهذه التسمية، وكأنّنا نحن الذين نبيع ونشتري في هذه السوق- اقترب منّي أحد النخّاسين، مسح على فروتي ثمّ جسّ ليّتي (أنتم تعلمون أنّ الأعمال بالنيّات والخرفان بالليّات)، فتح ذراعيه وحضنني ثمّ رفعني إلى الأعلى هنيهة وأنزلني أرضا وقال لمالكي : أريد هذا (نحن الأغنام لا نحتاج إلى أسماء)، قبض سيّدي النقود، دسّها في جيبه ثمّ سلّمني إلى مالكي الجديد.
(غريب أمركم معشر البشر، كم تحبّون النقود حبّاً جمّا !..أنا لا ألتهمها إلاّ عند أمسّ الحاجة وفي ساعات الضنك والجوع الشديد !؟)- عذراً لكثرة الاستطرادات، فقد اقتادني معلّمي مع مجموعة من الزملاء وقصد بي مسلخ المدينة ..ويا للمشهد المرعب ..! شاهدت العشرات من بني جلدتي وقد خرجوا من جلودهم وتنصّلوا من رؤوسهم وأمعائهم وختم فوق أفخاذهم واصطفّوا في البرّادات.
الحقيقة أنّي لم أخف .. فقد حدّثتني أمّي عن المسلخ الذي اقتيد إليه أبي ثمّ أعقبت بقولها:نحن الإناث ننتهي جثّة هامدة في زريبتنا أو هديّة لذئب جائع وعجوز بعد أن نبلغ من العمر عتيّاً.
اقترب منّي طبيب المسلخ أو ما تسمّونه أنتم بالبيطري، فتح فمي وفحص لساني وأسناني، ثمّ عيني. قبض على فروتي فهرّ بعض الصّوف بين أصابعه ثمّ قال لمساعده:هذا غير صالح للذبح، نّه مريض ولحمه غير صحّي ومضى إلى حال سبيله …ظننته سيعالجني لكنه لم يفعل .
لا أخفيكم أنّي فرحت بعض الشيء وانتابني إحساس بأنّي مثل الطائر الحر، تقدّره العرب ولا تشوي لحمه، لكن هيهات، فلقد باعني سيّدي الثري إلى جزّار في حي فقير وهاهو الآن يسنّ سكاكينه ويجهّز سواطيره لذبحي وبيعي حصصاً من اللحم الفاسد لهؤلاء الفقراء .
أيّها الذين سوف يأكلون لحمي ورأسي وأقدامي وأحشائي، أنا لست مسؤولاً عن حبّكم للأموال ولا عن فقر بعضكم ، فلا تلوموني عن تسمّم بعضكم والتحاق بعضكم بي بعد وجبة شهيّة وسامّة . أنا – وأعوذ بالله من كلمة أنا- خروف يعرف مصيره جيّداً بين مخالب الذئاب بشتّى أنواعها، في البراري أو في المدن، ولا أبدي أيّ تعاطف مع (بريجيت باردو) أو غيرها من أنصار الحيوان وحماة البيئة و النباتيين، لكنّي أعجب لهذا الذي تحملونه بين أكتافكم وتكرّمونه بشتى أنواع الأغطية من عمائم عربية وقبعات افرنجيّة ..
هل تعتقدون أنّ الذبح والسلخ لا يكون إلاّ بالسكاكين والسواطير والأسياخ..؟! إلى اللقاء، هاهو الجزّار يقترب بسكّينه …باي… أو “أوريفيرا” بالاسبانية …عيدكم مبارك .