دندش يذهب إلى ما بعد الشمس
في روايته “ما بعد الشمس” يقدم الكاتب اللبناني نزار دندش حالة رؤيوية إبداعية جديدة تقوم على فرضية علمية مفادها أنه من الممكن أن تكون هناك أنواع أخرى من الحياة على غير كوكب الأرض، وأن كل الأجناس البشرية في كل الكواكب متقاربة، وكأنها متحدرة من أصل واحد. ولكي يصبح هذا اللاواقع موضع احتمال ممكن الوقوع، عمل الكاتب على تقريب المسافة بين كائنات أرضية وكائنات فضائية، تنتميان إلى كوكبين تفصلهما مسافة سنواتٍ ضوئية، حيث يشكل التقاء كائن من كوكب النيزا بكائنات من كوكب الأرض بؤرة أساسية لتوليد المتخيل السردي في رواية “ما بعد الشمس”، فكيف استطاع دندش المزج بين هذين العالمين: الواقعي (المألوف) والمتخيل (اللامألوف)، تبعاً لطبيعة الأنساق التعبيرية الموظفة في هذا المتن السردي المميز؟
يدشن نزار دندش “ما بعد الشمس” بمشهد روائي غامض يوظفه في خدمة النص، ويتمثل بوقوع كائن فضائي غريب الشكل جاء من كوكب النيزا يبحث عن أسرار كوكب الأرض بين يديّ أفراد ينتمون إلى قرية لبنانية ويهتمون بالزراعات الممنوعة ويعتمدون عليها اعتماداً كلياً في معيشتهم. فكان ذلك الحدث بالنسبة إليهم أمراً غريباً بل أغرب من الخيال، والتعامل معه نوع من المغامرة والعبث التي يختلط فيهما المنطق باللامنطق!!
هذا الكائن الغريب والذي سوف يأخذ بطاقة طفل لبناني متوفى واسمه “كريم” ستكون له حياة على كوكب الأرض يصادق أهلها ويتزوج منهم فتاة جميلة تدعى “فرح”، ويكشف لعائلتها أكواماً من الذهب توجد في جبالهم البعيدة، ويأخذ معه صديقه اللبناني “نادر”، المحب للعلم والباحث عن أسرار الكون في رحلة فضائية يغادر برفقته العالم الأرضي إلى العالم السماوي، فيمضي “نادر” مع الكائن الغريب سنواتٍ متواصلة في السفر يجوب نصف الكون ويصل إلى “ما بعد الشمس” أو “كوكب النيزا”، ويتعرف على حضارة أهله التي لا تشبه حضارة كوكب الأرض في شيء، فيسعد بذلك ويعرّفهم بدوره إلى حضارة بني الإنسان وعلومهم ودورها في تقدم البشرية. ولكن بعد عودته إلى كوكب الأرض يكتشف “نادر” أنه وقع ضحية حبه للعلم وإخلاصه لمبادئه وقوانينه بين يديّ غرباء زودوه بجهاز إرسال كي يكشف لهم أسرار بلده وذلك مقابل أن يصل إلى أعلى المراتب، فهل سيصبح “نادر”، شهيد العلم أم سيتغلب على محنته؟
ما يميز رواية “ما بعد الشمس” هو قدرتها على المزج بين العلم والأدب، والخيال بالواقع، فالرواية عند نزار دندش ليست حكاية يُعرفها صاحبها، بل هي رواية (العلم الحديث) فهي تَعْبُر في زمنها وتُعبّر عنه، بأدوات (الفن الروائي) وفي إطار سردي متقن يفتح أكثر من مقترح لمناقشتها ومقاربتها. لذلك يمكن اعتبار رواية الخيال العالمي هذه جزءاً من البحث وتعبيراً عن محاولات الإنسان لاختراق الأكوان بحثاً عن الحقيقة الضائعة.
صدرت الرواية عن الدار العربية للعلوم ناشرون، وجاءت في 192 صفحة.