الأكراد في المعادلة التركية: من الخيالة الحميدية إلى بشمركة العراق

منذ أكثر من مئة عام، أسست السلطنة العثمانية فرقة عسكرية من الأكراد عُرفت وقتها بالخيالة الحميدية والتي استخدمتها السلطنة في مجازرها ضد المسيحيين من الأرمن والأشوريين والسريان والكلدان، وكانت أبرز وأشهر المجازر تلك التي استهدفت مئات الآلاف من الأرمن بسبب تواطئهم مع الروس ضد نظام السلطنة وطموحهم في الإستقلال وإقامة وطن قومي. لم تغفر تركيا للأرمن فقضت عليهم ويبدو أنها لم تنسى عدوها الثاني، الروس.

لسخرية القدر فإن كوباني – عين العرب- التي يفر منها مئات الآلاف من الأكراد اليوم هي نفسها التي لجأ إليها العديد من الذين بقوا من الأرمن كنتيجة لما كان يُسمى بالمجازر الحميدية – نسبة إلى السلطان العثماني عبد الحميد الثاني. هناك، في عين العرب، تُقام أم المعارك على الجبهة الشمالية السورية، وهي ثاني الجبهات التي فتحتها قوات داعش بعد الجبهة الشمالية للعراق .. والآن، الجبهة الثالثة، في شمال لبنان. هل هذه صدفة ان تكون كل الجبهات من شمال العراق وسورية ولبنان، أم أن الأمر مقصود بأن تُفتح أُولى جبهات معارك داعش في مواقع من جنوب تركيا؟ يأتي هذا التساؤل بعد اتهامات عدة للدولة التركية انها الناشئة او الداعمة لداعش (بمساعدة قطر) في مواجهة للنظام السوري والتوسع الايراني. وهذا ما تنفيه الدولة التركية.

ولكن إذا افترضنا أن الأمر كذلك وأن تركيا وسورية تتحاربان الآن على السلطة، وأن تركيا تدعم داعش سرياً، وأنها تريد رأس الأسد، فلنتخيل أن رقعة لعبة الشطرنج بينهما هي الساحة/ الجبهات المذكورة آنفاً والتي ستتوسع بالتأكيد لترافق مجرى نهري دجلة والفرات الطبيعي والذي ينبوعه جبال طوروس في تركيا حيث يتفرع إلى دجلة في العراق والفرات في سورية (على بعد 30 كلم فقط من عين العرب) ليلتقيا في البصرة. فهل سيتوقف الفتح الداعشي عند البصرة، جنوب العراق؟ أم سيمتد إلى خليج العرب؟ هذا ما ستحدده نتائج لعبة الشطرنج التي هي في بداياتها والتي يبدو من لاعبيها أنهم لا زالوا يحركون بأحجارهم الصغيرة، أي بالمليشيات الطائفية الكردية والداعشية- الأسلامية السنية- ، بينما تراقب وتنتظرالأحجار الأكثر أهمية – الجيشان التركي والسوري- أوامر اللاعبين بعد تحرك المليشيات حتى يأتي دورهم ودور غيرهم من الأحجار وصولاً إلى كش الملك، وأغلب الظن سيكون الملك السوري.

في لعبة الشطرنج هذه، كان الدور مؤخراً لتركيا. فقد سمحت لبشمركة الأكراد العراقيين العبور إلى عين العرب من معابرها، وكأنها تقودهم، برغبة منهم، إلى مصيرهم المحتوم. فهناك، في عين العرب، قد ينتصر الأكراد ويصبحوا أقوى ليحققوا حلمهم في إنشاء وطن قومي، أو يُهزمون وتندثر معهم أحلامهم القومية، ويكون الرجل التركي قد حقق مأربين في آن واحد، أي تخلص من الأكراد وإضعاف الأسد.

وليس صدفة اكتشاف مؤازرة جبهة النصرة لتنظيم داعش في معركتها الأخيرة في طرابلس- لبنان. وليس صدفة اتهام الجيش اللبناني بأنه يأخذ أوامره من حزب الله (المُناصر للنظام السوري) وأنه يتم استخدامه ضد أهل السُنة ومليشياتها، أي أن حزب الله يستخدم الجيش اللبناني لتحجيم جبهة النصرة وداعش التي تنادي الأولى بإسقاط الأسد والثانية بإقامة الخلافة الاسلامية- السنية، وكأن حزب الله بذلك يتابع نصره لنظام الاسد ولكن في لبنان هذه المرة. فهل سيقدر على توزيع قدراته العسكرية على الجبهتين السورية واللبنانية أم أنه واثق جداً من ولاء الجيش اللبناني له وتوليته محاربة الجهاديين بالنيابة عنه؟ ماذا ستكون مكافأة قائد الجيش اللبناني؟ وهل سيفي حزب الله في الوعد ويعينه رئيساً للبلاد؟

هذا ما سنرى نتيجته بعد الخطوة التالية في لعبة الشطرنج والتي سيكون عامل الوقت فيها حاسماً لكثير من المعارك الكبيرة والصغيرة إن كان في عين العرب في سورية أو في باب التبانة في شمال لبنان.

سيدني- أستراليا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى