… “وعاد إلى أرضنا الشجر…”
استيقظ التونسيون قبل شمس صباح الأحد، تدفّقوا فرادى وجماعات على مكاتب الاقتراع، مهرولين كمن يخشى أن يفوته القطار، خضّبوا أصابعهم بالحنّاء الزرقاء …ثمّ أشاروا بها صريحة لفلول الظلاميّة والجيوب القطريّة “خذوا حصتكم من “أمننا” وانصرفوا”.
جثم جماعة المسمّى بالغنوشي على صدورهم ثلاث سنوات بلياليها الدامسة الطويلة وعربدوا إفقاراً وترويعاً وتدليساً للهويّة والتاريخ والجغرافيا …حتى كاد الكثير من هذا الشعب الطيّب أن يضيّع البوصلة فيجتاحه “الحنين ” ويترحّم على من كان “أوضح” و”أصدق” و” أعدل ” في ظلمه .
قال لي صديقي المراقب الأجنبي للانتخابات التشريعية في تونس بعد بدء ظهور النتائج الأولى لمصرع من تسمّي نفسها بحركة النهضة: “غريب أمركم …أنتم شعب طويل الصبر، لكنه سريع الانتقام ويحسم أمره دائما في الوقت بدل الضائع “.
ومهما تكن القوائم والجهات الحزبية الفائزة في هذه الانتخابات التي لا يشكّ في نزاهتها، فإنّ التونسيين قد قالوا ” ارحل ” لمن نغّص عيشهم وهدّد أمنهم وجنّد أولادهم لقتل الآمنين والمدنيين الأبرياء بإمرة من صناديق البريد المشبوهة في بلاد العرب .
نعم ، لقد استعدنا جزء من كرامتنا المنقوصة بعد أن أوشكنا أن نكون في عيون الآخرين جماعة يصدّرون الإرهاب بدل التمر والزيتون والبرتقال وألق الإبداع وبهجة الحياة .
هيهات …لقد تحدّى أحفاد “حنبعل” و” ابن خلدون ” سيول المال السياسي وصمّوا آذانهم عن الحملات الدعائية المسعورة لتجّار الدين متمثّلين ما يقوله أشقاؤهم السوريون في المثل العامي ” من جرّب المجرّب كان عقله مخرّب ” ….وأنصتوا لصدى جبال “الشعانبي” الشاهقة التي يحاول عبثاً أن يلوذ تحتها جرذان الظلام وهي تردّد ما قاله ابنها البار أبو القاسم الشابي
“خلقت طليقاً كطيف النسيم وحرّاً كنور الضياء في سماه
تغرّد كالطير أين اندفعت وتشدو بما شاء وحي الإله “.
يوم الأحد الماضي، لم يلتحق التونسيون فقط بالقطار، بل صحّحوا مساره متذكّرين ومذكّرين بما قاله الشاعر المشاكس محمد الصغير أولاد أحمد:
” نحب البلاد كما لم يحب البلاد أحد، صباحاً مساءً…وقبل الصباح وبعد المساء ويوم الأحد
…ولو شرّدونا ـ كما شرّدونا ـ لعدنا غزاة لهذا البلد .
عاد إلى أرضنا الشجر وعاد إلى ليلنا القمر …
وصاحت تغنّي سلاماً سلاماً على من صمد “