هكذا مات صدام
“البطولة أن تذهب إلى الموت بكامل حياتك”
___________________________
في 30 كانون أول 2006 أعدم الرئيس صدام حسين ، شنقاً. بعد محاكمة بدت هزيلة في كثير من جلساتها.
هنا نص مختلف. أفترض فيه أن صدام انتحر كي لايحاكم ويتبهدل.
…………………………………….
“الوقت ضيق، المكان ضيق، والكلمات ضيقة أيضاً. إنني الآن رجل وحيد جداً، بكل معاني الوحدة، وأمامي الغبار الذي يسبق الخطى المتعجلة للموت. وليس بوسع أحد على وجه الأرض، ولا في السماء كما يبدو، أن ينقذ الموقف الصعب الذي يعيشه رجل كان يشغل الكرة الأرضية لسنوات طويلة، وهو الآن يشغل المكان الضيق الذي تنقض عليه أعين الأقمار الصناعية، وتحوم فوقه قاذفات القنابل. وأنظر حولي فلا أرى سوى من تبقى إلى جواري من أبناء وقادة أريد أن أخفف عنهم ارتباكهم بالقول الذي لا نفع منه، لأنه بعد فوات أوان اللغة ، والواقع ، والتاريخ . القول الذي خارج سياقه لا يعني شيئاً: “إن ينصركم الله فلا غالب لكم”.
إن رحيلي مؤكد… ولذا لا بد من الاعتراف، في لحظة الذهاب لملاقاة المصير المحتوم، بأنني ارتكبت أخطاء من النوع الذي لا يمكن فهمه إلا بالمقارنة مع نقيضه.. كنت ، في نظر نفسي، أكبر من المعلم ميشيل عفلق ، وأقوى من نبوخذنصر، ولدي ما أفعله أفضل من ستالين. أردت امتحان الأمة في حرب ضد مجوس مسلمين. وأردت امتحان الشعب في حرب ضد خريطة سايكس بيكو، وأردت امتحان العائلة والله في معركة أسوار بغداد.
رأيت الحياة من فوهة، وخندق، وشرفة قصر.
رأيت المجد في قصائد شعراء كبار في عيد ميلادي (نزار قباني أحدهم)، وتذوقت، في أوقات الفراغ، لذة أن تنشىء جسراً معلقاً ، في أسابيع بعد القصف، وقصراً بابلياً على ضفاف البحيرات ، في عين الأعداء. ورصفت مدخل مدينتي بخوذ الجنود الإيرانيين، وفرشت صورة العدو يداس عليها أمام الفنادق الفخمة. عمّرت مساجد تتسع مساحتها لمصلين من أرقى الأصناف الإيمانية، وتركت ورائي خلف المجد، جائعين ومهانين وصامتين تركت خلفي شعباً لا يعرف من الدنيا سواي.
كان بوسعي أن أفعل ما أشاء ماعدا ذلك النحيب الصامت في الأسرة العراقية…النحيب على قتيل أو مفقود أو منفي.
تصورت أن الجيش القوي يحمي البلاد من خارج عدواني، وتصورت أن الحرس الجمهوري يحمي النظام من داخل متذمر شيطاني، وتصورت أن العشيرة والأبناء والعائلة تحميني من مؤامرة محتملة، وغش في الضعفاء، وفكرة تزيح قرار الوراثة.
الآن يحوم غراب فوق الملجأ.
“أم القنابل” سخرية أمريكية من “أم المعارك”. لقد جاؤوا ليغيّروا بالحرب عراقاً غيّرته أنا بالحرب أيضاً.أنا وحيد في ملجأ. وسوف أقدم اعتذاري لكل من فقدت زوجاً وولداً. لكل صبية خطفت لنزوة أو عقاب. لكل رجل علقته المخابرات في الكلابات. لكل جندي أمرته بالذهاب إلى معركة فاشلة، وجبهة خاطئة، ومهمة دنيئة.
إنني أقدم اعتذاري لأكراد ماتوا بالكيمياء والإهمال.
للشيعة منعتهم من البكاء على قبر الحسين.
للسنة سلّطت عليهم نفوذ العشيرة والعائلة الحاكمة.
للشيوعيين وهم يتشتتون ويموتون في المنافي.
لبقايا الناصرية العراقية النادبه
للمستقلين المتذمرين
للشعراء الحزينين.
أقدم اعتذاري لكل من فتك به “عدي” واعتدى على عرضه “قصي” ورفاقهما وهم يسكرون بخمر السلطة، وينهبون باسم السلطة، ويأمنون الانتقام في حضن العائلة.
أقدم اعتذاري لكل الجيران:
سورية : لأنني فجرت السيارات في شوارعها.
الكويت لأنني ضممته بعنف،
إيران لأنني لم انتصر عليها ولم تنتصر عليّ.
أعتذر من حمورابي ديست ألواحه.
من جلجامش لأن حزنه على صديقه لم يؤثر بي.
من نبوخذنصر الذي كان شريفاً في القوة.
من علي بن أبي طالب لأنني قصفت اللاجئين إلى مسجده.
…………………..
……………………
بعد ان انتهى صدام من كتابة هذا النص . قرأه ثم رماه.
كان للقائد الملهم ( الذي مازال) في داخله رأي آخر:
“لقد بنيت عراقاً قوياً. ولا تريد أمريكا عراقاً قوياً.
لقد أردت الحروب للدفاع عن الأمة. ولا يريد أحد لهذه الأمة أن تكون منيعة.
لقد ضحيت بعراقيين من أجل العراق…”
كان الزعيم يرى صورته في المرآة، في لحظة أخيرة، كامل الخذلان، كما كان من قبل كامل الوصف النموذجي طيلة ربع قرن.
أمسك الرجل قلمه وخط على الورقة:
“لن أختفي في ثياب النساء. لن أهرب بأرجل الضعفاء. لن أسلم نفسي إلى محكمة المهداوي، أو محكمة لاهاي، أو محكمة التاريخ!!
أمسك مسدسه وصوبه إلى الصدغ الأيمن.
ثم دوّى انفجار كوني في الملجأ وغدت، في لحظة واحدة، حرارة المكان خمسة آلاف فهرنهايت…لقد سقطت أم القنابل على ملجأ أم المعارك…وذهبت لحظة التاريخ .
وأصبح الزعيم…رماداً أسود على شكل قبعة فيصليه !