الحكام العرب و التسوية الإقليمية الشاملة !
مع تزايد المؤشرات حول تقدم مسار التسوية الإقليمية الشاملة تتزايد فعالية القوى الإقليمية (تركيا و إيران و إسرايل) بالتوازي أو بالتسابق مع تراكم فعالية القوى الكبرى المؤثرة (روسيا و أميركا و أوروبا ) . و فعالية هؤلاء، غير العرب ، تنصب على زيادة أوراق كل منهم للتأثير أكثر في هذه التسوية . كما يسعى كل طرف منها إلى حجز مقعده على طاولة التسوية للحصول على أكبر حصة ممكنة من النفوذ و المصالح .. و بينما هؤلاء، غير العرب، يجدون ويجتهدون حول التسوية القادمة، فإننا نرى العرب بمعظمهم مقصرين أو منكفئين عن الإسهام بهذه التسوية , التي تطال منطقتهم و ستؤثر على دولهم وشعوبهم ومستقبلهم . أو، وهذا الأفظع ، ترى بعض العرب يضعون مصيرهم في التسوية بيد دول أو قوى أخرى، كبيرة كانت أو إقليمية.
و بينما تتغير حقائق الواقع العربي يفاجئنا تقصير الكثير من الحكام العرب عن فهم هذه المتغيرات، ويصدمنا تجاهل الكثير من الحكام العرب للمستجدات الفاعلة في مستقبل المنطقة . وأخطر ما يرتكبه حكامنا هو قصورهم عن إدراك ضرورة جمع وتنسيق عناصر القوة العربية عبر البحث عن القاسم المشترك الذي يتيح للدول العربية تفعيل القوة العربية وتظهير دور العرب و حقهم في مستقبل المنطقة، و طرح هذه القوة كمشارك فاعل في إنضاج و رسم وإدارة التسوية الإقليمية الشاملة .. فما الذي يمنع جكامنا من المبادرة إلى تحقيق ما يجعلهم شركاء في القوة التي تضمن للعرب وجودهم واستقلالية قرارهم وكرامة شعوبهم في منطقتهم. و لا يسمح لغيرها التكحم بهم ورسم مستقبلهم ؟؟
بعض الحكام العرب يسجن نفسه وشعبه بمواقف إيديولوجية تعادي الدول العربية الأخرى . و بعض هؤلاء الحكام مازال متمترساً خلف نزاعات تجاوزها الواقع مع أشقائه. و بعض حكامنا يستمر في ممارسة سياسات خدمة لدول عظمى يتحالف معها ضد دول شقيقة هي بدورها تستمر في سياسات تخدم دول عظمى تنافس من يخدمهم الأشقاء . و كل هذا ليس إلا أعراضاً لمرض يصيب العقل السياسي للدول، فيعطل فيها حاسة إدراك المصلحة الوطنية ويخرب غريزة النجاة السياسية . ومن خطورة هذا المرض أنه يعوض المصاب به بـ ( خبل التوهم ) بالنجاح والفوز والتقدم . و إذا كان معظم الحكام العرب مصابين بهذه العلة المضيعة للمصالح الوطنية والقومية، فإن على الحكام الناجون من هذه العدوى مسؤولية وواجب تجاوز كل الخلافات والأمراض والعاهات، و المبادرة إلى دفع أشقائهم من الحكام إلى إدراك ما يتهددهم و يتهدد شعوبهم إن استمروا في تقصيرهم المريض عن ( تفعيل القوة العربية ) لإجبار جميع المتدخلين الإقليميين والدوليين على إحترام حقوق و دور العرب في مستقبل منطقتهم . إنها الضرورة التاريخية الملحة التي تتطلب من حكامنا أن يفاجئونا بتجاوزهم لخلافاتهم الزائلة ، و الاتجاه إلى تنسيق أدوارهم في إطار ( تفعيل القوة العربية ) للتأثير الفعال في التسوية التي يتم إنضاجها من قبل القوى الأخرى غير العربية .