ماذا قدمت الجيوش العربية لشعوبها في سبيل حمايتها (د. ماهر المملوك)
د. ماهر المملوك
يسأل سائل ماذا قدمت الجيوش العربية لبلادها ولمواطنيها على مدى ما يقرب من ستين عاما أو نيف من خدمات لهذا المواطن العربي الواقع تحت ضغوط حياتية معيشية صعبة، والذي يعتقد ويؤمن بأنه، مثل كل مخلوقات الأرض جميعاً، ينتمي الى وطن كريم معطاء يمكن أن يقدم له الغالي والرخيص لكي يحافظ على كيانه وكيان أبنائه من بعده كما كان حال أهله من قبله .
لكم تمنى وحلم هذا المواطن العربي بالخلاص من الاستعمار الغازي الأجنبي لكي تحصل بلاده على استقلالها، ولكي ينعم هو وأهله بالخلاص من المستعمر الطامع في ثروات أمته وبلاده.
لكم تساءل هذا المواطن المغلوب على أمره ما سبق من أسئلة تعكس ما يجول في نفسه فلم يجد لها أي جواب أو رد. كل تلك الأسئلة وردت وما زالت ترد من مكامن مواطن عادي مسالم له الحق في التعبير عن نفسه وهو الذي لم يتأخر في أن يقدم الغالي والرخيص كي تنعم بلاده باستقرارها وبرؤية جيشه الوطني الذي سوف يدافع عنه وعن بلاده وعن ثرواتها .
فرح المواطن العربي أشد الفرح حينما خرج المستعمر واستلم أبناء جلدته زمام الأمور السياسية والعسكرية والاجتماعية لبضع سنين، إلى أن حصلت الفاجعة الكبرى والمواجهة الخاسرة التي منيت بها الجيوش العربية الحديثة العهد باستقلالها في مواجهة عدو غاشم كبّد هذه الجيوش أكبر هزيمة في تاريخها، ليتم بعدها تأسيس دولة غريبة في هذا الجسم العربي أخذت في التطور على حساب باقي شعوب المنطقة .
جاءت بعد هذه الهزيمة، التي منيت بها جيوش الدول العربية أجمع، سلسلة من الانقلابات العسكرية قادتها المؤسسة العسكرية على حساب المؤسسة السياسية، ليتم بعدها سيطرة هذه الجيوش على مقدرات بلادها وثرواتها وخيراتها عوضاً عن المستعمر الغازي وبمسميات وتسميات ما أنزل الله بها من سلطان .
كانت تلك بداية الهزيمة النفسية للمواطن العربي والإحباط الأكبر الذي حصل معه نتيجة سيطرة هذه الجيوش على مقدرات أمته وبلاده، ويتم تحت مسميات مختلفة لحماية الأنظمة ولتصبح الجيوش العربية جيوش مختصة ومبتدعة لأفكار غريبة للسيطرة على أرزاق المواطن العربي العادي .
لم ينسى المواطن العربي، المهزوم نفسياً من مجريات أحداث منطقته، اعتلاء الجيوش العربية سدّة الحكم وسيطرتها على مقدرات بلاده وثرواتها وخيراتها لكي تصبح بيد حفنة متسلطة تدّعي الدفاع عن قضايا الأمة، وتنسى القضية الأصلية وهي الدفاع عن الهزائم. وحدودها من العدو الغازي الجديد الذي سلخ قلب البلاد العربية .
أكثر من ستون عاماً مرت والميزانيات العربية ترصد ما يقارب أكثر من نصف وارداتها في سبيل التسليح على أمل المواجهة مع العدو والتحرير لهذه الأراضي المغتصبة.
كان لرصد هذه الميزانيات الهائلة من الأموال الأثر المالي السلبي على مستوى التنمية والتعليم والتطوير والرفاهية بالحياة الحديثة الكريمة للمواطن الذي يعتقد أن ما يقتطع من أمواله الموجودة في الخزينة سوف تحرر له أرضه ونفسه من كل هذه الهزائم.
لا عجب أن تثور الشعوب على حكامها، خريجي الكليات العسكرية، والقائمين على زمام الأمور الذين طالت وعودهم في تحرير الأرض وتحرير الانسان العربي المهزوم من واقعه السيئ الذي أوصله إلى أن يكون في مصاف الدول المتأخرة على وجه البسيطة، هذا الإنسان الذي طال انتظاره الى أن بلغ السيل الزبى .
لا أريد أن أشير الى حجم المخزون العسكري الهائل لدى الجيوش العربية، وأرقامه موجودة في العديد من المراجع والإحصائيات التي يمكن لأي راغب الاطلاع عليها من خلال الانترنت، والذي يقدر بآلاف المليارات من الدولارات التي لم تستعمل ولو لطلقة واحدة منها في مواجهة العدو الغاشم، بل على العكس تم استعمال هذا المخزون في قمع شعوبها صاحبة الأرض والحق في أن تعيش حياة رغيدة لطالما حلمت فيها أيام الاحتلال .
الجيوش العربية هي من أبناء الوطن العربي الواحد، وتضم فيما تضم خلٌص الأبناء الذين أرادو أن يسخّروا حياتهم في سبيل الذود والدفاع عن تراب أوطانهم، والمواطن العربي يعرف حق المعرفة أن هذا الجيش هو من أبنائه وإخوانه وأهله، وأن هذا الجيش كتب وقدر له أن يبنى ويؤسس لكي يدافع عن تراب بلاده ويكون بالمرصاد ضد أي غاشم محتل، أما أن تسخر هذه الجيوش فقط في الدفاع عن الطبقات الحاكمة وأن تنحاز مع حكامها ضد شعوبها فإن هذا لعمري أمر لا يقبله أي عاقل على وجه هذه البسيطة .
أثبتت الأيام والسنون السابقة على أن هناك سوء في التخطيط لبناء الجيوش العربية بغية تطوير الانسان العربي وسعادته والرفع من شأنه أمام القاصي والداني، ولهذه الأسباب مجتمعة خرج المواطن العربي من ثوبه للدفاع عن ذاته وكيانه ليس في وجه المحتل والغاصب لأرضه، ولكن في وجه هذه المؤسسة التي للأسف كتب لها أن يساء استعمالها، فعوضاً عن أن توجه بندقيتها الى صدر العدو أصبحت توجهها الى الداخل والى صدور أبنائها .
سوف تعود الجيوش العربية حتماً في الفترة المستقبلية القادمة إلى ثكناتها وإلى دورها الأصلي التي رسمت له في الزود عن تراب الوطن والحفاظ عليه وذلك تحت أمرة السلطة السياسية المنتخبة شعبياً، ولن يكتب لها أي دور في المرحلة المستقبلية القادمة في رسم الخارطة السياسية للمواطن العربي الذي لطالما تمنى أن تكون في خدمته لا في القضاء عليه .