كلما اندحر عدو حل عدو جديد محله
كلما اندحر عدو حل عدو جديد محله .. الحشد الشعبي وهو تجمع يتألف من عدد من الميليشيات الشيعية كان قد تصدى للقيام بمهمة محاربة تنظيم داعش في العراق. وهو ما يجعل منه رأس حربة عراقية تسعى إلى محو جزء من العار الذي سببته سياسات نوري المالكي التي أدت إلى ضياع ثلث مساحة العراق، لولا أن ذلك التجمع يظل موسوما بالصفة الطائفية، وهو يتصرف وفق أجندة طائفية واضحة رسمها وخطط لها زعيمه هادي العامري المعروف بولائه المطلق لإيران وبنزعته الطائفية.
ومع ذلك فإن كل هذا ينبغي أن لا يقف حائلا بيننا وبين تفهم الهدف النبيل الذي تحارب من أجله تلك الميليشيا إلا وهو تحرير الاراضي العراقية من رجس الاحتلال الداعشي بعد أن تبخرت القوات المسلحة العراقية واتضح في ما بعد أن أن جزءا كبيرا منها كان عبارة عن كائنات فضائية لا وجود لها إلا على لوائح الرواتب.
نوع من الفساد ارسى المالكي قواعده ولا يزال مستمرا حتى اللحظة.
غير ان ذلك الهدف النبيل سيكون ناقصا بل ومختلا ومجروحا ما لم ترافقه ارادة حقيقية في حماية المدنيين من سكان المناطق التي يتم تحريرها والسعي إلى التخفيف من معاناتهم وهم الذين تعرضوا لظلم داعش وبطشه ووحشية عناصره وانحطاط أخلاقهم في زمن تخلت فيه الدولة العراقية عنهم، بل وكانت شريحة كبيرة من سياسيي العراق تنظر إليهم بشماتة وتتهمهم بالخيانة في محاولة لدفع تلك التهمة عن المالكي، المسؤول الأول عما جرى.
أن تحرير الارض لا قيمة له ما لم يرافقه تحرير الإنسان، وهو المسوغ الاهم لمحاربة داعش وسواه من التنظيمات الارهابية. أما حين يتساوى المحرر والمحتل في سلوكهما ويكون أحدهما مرآة للآخر في انتهاكه لحقوق الإنسان، فإن ذلك التحول يعرض كل القيم الإنسانية والوطنية للإبتذال والتسفيه.
لقد لعب عنصر الاضطرار دورا مهما في اللجوء إلى الميليشيات السابقة لكي تكون مادة الميليشيا الأكبر التي ستدخل الميدان تحت عنوان “الحشد الشعبي” حيث قيل يومها كذبا أن تأسيس تلك الميليشيا جاء تلبية لفتوى السيستاني في الجهاد الكفائي وهي تتكون من المتطوعين الذين هبوا إلى القتال تلبية لنداء المرجع الديني، غير أن ما أفرزه الواقع هو مخالف لتلك الكذبة تماما.
فالحشد الشعبي لم يكن سوى قوات بدر وجيش المهدي وعصائب أهل الحق وسواها من الميليشيات الشيعية ذات التاريخ الدموي والسمعة القذرة. فهل تخلت تلك الميليشيات عن تاريخها ونظفت سلوكها وفكرها وطريقة نظرها إلى العراقيين ليتسنى للمرء أن يثق بمسعاها الوطني الشريف؟
أعتقد أننا نقف أمام حلقة جديدة من حلقات التيه العراقي.
فمَن يثق بميليشيا ذات تاريخ سيء عليه أن يثق بالميليشيا التي تحاربها والتي لا تزيدها سوءا. وهو ما يعني أن داعش تقف على الميزان نفسه الذي تقف عليه أية ميليشيا شيعية، سبق لها أن ارتكبت جرائم في حق العراقيين، يمكن أن توصف بجرائم ضد الإنسانية.
فهل صار على سكان المناطق المتنازع عليها بين داعش والحشد الشعبي أن يقعوا ما بين نارين، كل واحدة منهما تسعى إلى التهام ما تبقى منهم حيا؟
لقد حملت الأخبار والتقارير الدولية كل ما لا يسر عن سلوك ميليشيا الحشد الشعبي الثأري الذي لم يميز بين عناصر داعش وبين المواطنين العراقيين الذين كانوا ضحية لسياسات المالكي التي أدت إلى ظهور مأساة ومهزلة داعش على الاراضي العراقية. فمن ارتكاب المجازر والقتل الجماعي إلى منع السكان من العودة إلى قراهم وبلداتهم تمتد فضيحة ذلك الوحش الطائفي الجديد الذي أطلق عليه الحشد الشعبي.
فهل قُدر للعراقيين أن يكونوا موضعا للشبهات في حرب، كل أطرافها هم أعداء لهم؟
كلما اندحر عدو حل عدو جديد محله.