الدب عندما يقع في الحب : حكاية تشيخوفيه برؤية سورية !
خاص
حكاية تشيخوفيه برؤية سورية ..ضمن أنشطة مديرية المسارح والموسيقى ـ المسرح القومي ـ الأخيرة ، قدم المخرج مأمون الخطيب الرؤية السورية لنص مسرحي تشيخوفي شهير هو ( الدب) ، ومع استمرار توافد الجمهور إلى المسرحيات المتتالية التي تعرض، يؤكد المسرح السوري أنه لن يتوقف عن محاولة استعادة جمهوره ، رغم قلة النصوص المحلية وقلة العروض .
مسرحية ( الدب ) هي اقتباس آخر يقوم به المسرحيون السوريون ، دون بذل أي جهد لاكتشاف نصوص سورية قادرة على تشكيل حالة مسرحية ناهضة أساسها الواقع السوري.
إلا أن مسرحية (الدب) ، التي اشتغل عليها المخرج مأمون الخطيب بحرفية عالية اعتمدت على الإضاءة والديكور والملابس لإحداث مشهدية مسرحية جديدة ، تمكنت من الأخذ بيدنا إلى عوالم تشيخوف التي تقدم مفاجأتها الذكية في كل نهاية.
فالمسرحية في أصلها تتحدث عن مجموعة شخصيات تدور في فلك حدث بسيط آسر يجعلنا نصل إلى النهاية المفاجأة ، والشخصيات في الأصل هي : الخادم لوكا، والزوجة بوبوفا التي تعلن حدادا أبديا على زوجها نيكولاي ميهايلوفيتش ، وغريغوري ستيبانوفيتش سميرنوف التاجر الذي استدان منه الزوج الراحل مالاً وجاء لاسترداد حقوقه .
في النص التشيخوفي وقائع مسرحية ، لا تلبث أن تتصاعد لتقدم مفاجأة النص، وهي طريقة سحرية يستخدمها تشيخوف في قصصه ومسرحياته، فالزوجة في حداد ، ومعها الخادم ، ثم يأتي الزائر وهو صاحب حقوق ملحاح يريده سداد ديون المتوفى، وفي ثرثرات المطالبة الأولى يظهر سحر تشيخوف للوصول إلى مايريد.
أما على خشبة مسرح الحمراء، فكادت هذه الوقائع في بداياتها أن تصيبنا بالملل، لولا اللعبة الفنية التي عوضت قليلاً وجرى تنفيذها لخلق أجواء تشكيلية ساهم الضوء والستائر والشموع في صناعتها. وهنا يتكاتف الإخراج مع السينوغرافيا (نزار البلال، ريم الشمالي) مع الإضاءة (مجد مغامس) مع الملابس (حياة ديوب) ليقدم لنا تشكيلاً باهراً تمكن من التخفيف من برودة الوقائع الأولى التي لم تستطع الخشبة أن تواكب النص الأصلي.
أعطى الديكور عمقاً واضحاً للمكان (بيت الزوجة) ، ثم جاء دور الممثلين ليقدم أداءً احترافياً لافتاً قامت به : رنا جمول بدور العمة (استبدال الخادم بالعمة)، وزينة المصري بدور الزوجة تمارا، ووسام حمود بدور التاجر سمير الراعي.
تنامى الصراع ليصل إلى طريق مسدود، وإذا بحدث آخر يمهد للمفاجأة هو تنامي الإحساس العاطفي عند التاجر ، الذي جعلنا نتحفز للوصول إلى نهايته ، وقراء المسرحية يعرفون ما سيحصل طبعا، لكن التمثيل هنا جعلنا نشاهد النهاية وكأننا لم نقرأ النص، فالزوجة ارتدت ملابس توحي بسحر المرأة الأرملة مع لمسات مكياج زادت من جمالية أداء الفنانة زينة المصري، والعمة أنيقة مرتبة تخفي سحر رنا جمول القديم المتجدد..
بمعنى آخر، شاهد الجمهور المسرحي السوري عرضا جميلاً ، بغض النظر عن البرودة في الوقائع الأولى، وهو عرض تظافرت فيه جهود الجميع بقيادة مخرج متمكن وصاحب تجربة .