الآثار الاقتصادية ـ الاجتماعية للصراع السوري: نتائج متشائمة.. بين قوى التسلط والعنف
توصل تقرير أطلقه «المركز السوري لبحوث السياسات» في دمشق إلى نتائج اقتصادية واجتماعية متشائمة، لا تخالف طبيعة الواقع المستند إلى حرب السنوات الأربع، والتي تدخل عامها الخامس هذه الأيام أيضاً، وتعزز حالة الاغتراب القائمة بين المواطن السوري، في ضائقته الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، وقوى العنف والتسلط المنتشرة بكثافة.
واستند «المركز السوري لبحوث السياسات»، الذي يصف نفسه بأنه «مؤسسة مستقلة غير ربحية مقرها دمشق»، إلى جداول وأرقام ونتائج إحصائية على المستويات التنموية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك بالتعاون مع «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» و «وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا).
ويغطي التقرير، الذي يطلق رسميا اليوم آثار الحرب خلال العام 2014 على أساس فصلي.
ويقدم التقرير، في مقدمته، توصيفاً للحالة العامة خلال العام 2014، مع اشتداد وتيرة المعارك، وإعادة تخصيص الموارد ورأس المال في خدمة آلة الحرب، و «ترافق ذلك مع توسّع في الأسواق السوداء، وتراجع في السيادة وحكم القانون، وتزايد في الاعتماد على الدعم الخارجي، وتعمّق الانكشاف الاقتصادي، وخسارة الأمن الاقتصادي».
ووفقا للتوصيف «يعاني الاقتصاد السوري من هيمنة قوى التسلّط التي تعمل على مأسسة سيطرتها من خلال العنف»، من دون اهمال العامل الخارجي المتمثل «بالشبكات العابرة للحدود، والعصابات المجرمة المرتبطة بالنزاع التي ظهرت إلى حيّز الوجود، وراحت تنخرط في الاتجار بالبشر والإساءة إليهم، وفي أعمال السلب والنهب، والخطف والابتزاز، وتجنيد المقاتلين، والاتجار بالآثار التاريخية»، والذي يعيده التقرير إلى «الضعف الذي أصاب سيادة الدولة».
وفي التقديرات الاقتصادية، يسجل تقرير المركز رقما مهولاً «لحجم الخسائر الاقتصادية منذ بداية النزاع حتى نهاية العام الماضي، قدّره بمبلغ 202.6 مليار دولار أميركي، معادلاً حوالى أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للعام 2010 بالأسعار الثابتة. وانكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 9.9 في المئة في 2014».
ومن صور هذه الخسائر «تراجع الاستثمار العام بمعدّل 17 في المئة في العام 2014 في مقابل تحسن طفيف في الاستثمار الخاص».
كما «سجّلت تغطية الصادرات للمستوردات تدهوراً حادّاً من 82.7 في المئة في العام 2010 إلى 29.7 في المئة في 2014، ما عكس العجز التجاري الهائل الذي وصل إلى 42.7 في المئة في 2014»، ما يعكس انكشاف الاقتصاد على الاقتصادات الخارجية، واعتماده إلى حدّ كبير على المستوردات المُموّلة بصورة رئيسية من خلال القروض الخارجية والتسهيلات المالية.
وتابع التقرير: «بلغ عجز الموازنة العامة، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، 40.5 في المئة في 2014، وهو ما ألقى عبئاً إضافياً على الدين العام الذي ازدادت نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي الجاري ازدياداً هائلاً، من 104 في المئة في 2013، إلى 147 في المئة».
ويستعرض التقرير قرارات الحكومة السورية التي بدأت سياسة تحرير اقتصادي غير معلنة، من خلال «التقليل من عمليات الدعم، عبر رفع أسعار العديد من السلع والخدمات الأساسية»، الأمر الذي يهدد بترك «تبعات اجتماعية واقتصادية كبيرة على معيشة الأسر، وتحديداً الفقيرة منها، وعلى تكلفة الإنتاج المحلي، بما أن الزيادة في الأسعار تشمل السلع الأساسية مثل الخبز والطاقة».
وعلى صعيد فرص العمل، بلغت البطالة 57.7 في المئة مع نهاية 2014، وفقد 2.96 مليون شخص عملهم خلال الأزمة، الأمر الذي أدى إلى فقدان المصدر الرئيسي لدخل 12.22 مليون شخص. ويشير التقرير إلى انه «مع توسّع اقتصاد العنف، انخرط كثير من الشباب السوريين في شبكات وفعاليات ذات صلة مباشرة بالنزاع المسلح وغيرها من الأنشطة غير المشروعة».
كما أسفر النزاع المسلّح والتدهور الاقتصادي والتفكك الاجتماعي عن تحوّل في الجغرافيا البشرية في سوريا. وأورد التقرير أن «أكثر من نصف السكّان غادروا أماكن سكنهم المعتادة طلباً للأمان وظروف معيشة أفضل»، كما تفاقمت «مستويات التفاوت وعدم العدالة ومعدلات الفقر خلال العام 2014، إذ أصبح حوالى أربعة من كل خمسة أشخاص فقراء. كما أن ثلثي السكّان تقريباً يعيشون حالة الفقر الشديد، إذ لا يستطيعون تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية، الغذائية وغير الغذائية. وبات 30 في المئة من السكّان يعيشون في حالة من الفقر المدقع، أي إنهم لا يستطيعون تأمين حاجاتهم الغذائية الأساسية».
وتراجع الحديث بطبيعة الحال عن التنمية الإنسانية التي سجلت «حالة من التقهقر». وسجل في هذا السياق «وصول نسبة الأطفال غير الملتحقين بالتعليم الأساسي من إجمالي عدد الأطفال في هذه الفئة العمرية إلى 50.8 في المئة خلال العام الدراسي 2014 ـ 2015، في حين أن نصف الأطفال تقريباً خسروا ثلاث سنوات من التعليم.
وأمنياً، يشير التقرير إلى «تعرض ما يُعادل 6 في المئة من السكّان المقيمين للقتل أو الإصابة أو التشوّه». ورأى أن «الإنسان السوري بات عاجزاً عن المشاركة الحقيقية في تمثيل أولوياته وتطلعاته في النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي القائم، وغريباً عن الأهداف والسياسات والعلاقات التي يتم تشكيلها في ظل المؤسسات القائمة».
واستنتج خبراء المركز أن الشعب السوري بات «مُجبراً على العيش ضمن حالة متفاقمة من الاغتراب والاستلاب، مع تعاظم الشرخ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بينه والمؤسسات العنفية». وأضاف «ما زالت غالبية الناس تعيش حالة من الاغتراب عن قوى التسلّط، التي تمكّنت من تطويع البعض في آلة الحرب والاضطهاد والترهيب، التي أدّت أصلاً إلى هدر القيم الإنسانية للسوريين، وأرواحهم البشرية، وحياتهم».
صحيفة السفير اللبنانية