إيرانيوم
إيرانيوم
كتب هذا المقال في 26/7 /2015
“لا يمكن إحتلال حضارة عظيمة من قبل قوة خارجية، ما لم تدمّر هذه الحضارة نفسها من الداخل”. هذا ما قاله المؤرخ العالمي العظيم “وول ديورانت” كاتب قصة الحضارة في 34 مجلداً.
يمكن لهذه الوحدة المعمارية في التفكير أن تقودنا، اليوم، إلى التفكير بصراعات البقاء، والتي تمر بها بلدان عربية متعددة.
في هذا الوقت…ثمة حدث لا أحد يجادل في أهميته، وإن كان الجدل حول مستقبله مشروعاً، وهو الاتفاق الدولي حول النووي الإيراني.
في السياسة… يمكن القول للمعترضين، أشخاصاً ودولاً، ثلاث جمل:
أولا، هؤلاء الذين وقعوا على الاتفاق هم كل أعضاء مجلس الأمن، وكل أعضاء الكون الفاعل، وكل مالكي الترسانات النووية التي تستطيع تدمير البشرية، وإفناء كوكب الأرض مائة مرة، ولا يبقى على قيد الحياة سوى “الصراصير” التي نقرف منها.
وثانياً، كانت إيران ذاهبة، من الناحية العلمية إلى بناء بضعة رؤوس نووية، الأمر الذي لو حدث، لكان المعترضون وعلى رأسهم إسرائيل، أقل سعادة من الآن بعد الاتفاق.
وثالثاً، وكما قال الرئيس أوباما: ما هو بديل الاتفاق؟ ومن البديهي أن يعني هذا السؤال: البديل هو الحرب. وهذه الحرب ستبدأ بصاروخ واحد، أو سرب طائرات، ولن تنتهي قبل أن تكون بضعة بلدان قد رجعت خمسين سنة حضارة إلى الوراء… مع عدم وجود “وول ديورانت” ليسجل نهاية مضمونة لبلهاء وحمقى لم يقدّروا أهمية ما لديهم في هذه الحياة…
كما أن الحرب، التي ستكون على الأرجح بين بلدين إيران وإسرائيل… لن تنتهي إلا باشتراك عدد من البلدان، وهي بهذا المعنى حرب عالمية… في حين لم يكلف انتزاع هذا الفتيل من تلك القنبلة سوى جلسات نوايا حسنة، وتقديرموقف صائب، وقيادات تتحمل مسؤولية السلم الدولي.
هناك وراء الأكمة ما وراءها… فالمعترضون أصيبوا بنكسة تقدير أهمية ما يجري في عالم اليوم وفي الشرق الأوسط. والمعترضون أصيبوا بحسد وربما أصيبوا بالأضرار الناجمة عن عودة بلد مهم وفاعل في الشرق الأوسط، مثل إيران، إلى المكان المخصص للعب الإقليمي بل الدولي. وصناعة الأعاجيب في النمو من فائض الوفرة المالية.
والأهم الأهم أن إيران تقدم ، لمن يريد ، هذا الدرس : يمكن للإيديولوجيا (دينية أوعقائدية) أن تذهب في اتجاهين متعاكسين: دولة علم أو دولة جهل. دولة عقل أو دولة نقل. بلد ثقافة أو بلد استهلاك منتجات ثقافية.
ثمة دول لا تغيب الشمس عن النسخ الفاخرة من مصاحفها، ولكن لم تصنع حتى سخانات الشمس التي تغيب كل يوم على تخلفها.
ثمة دول تشتري السلاح في حين يحتاج مجتمعها إلى السلم الأهلي، وحوارات الجيران، ووسائد الطمأنينة.
عندما بدأت اليابان بالصناعة… بدأت بتهريب عدد من المهندسين إلى الولايات المتحدة ليعملوا في الصناعات وليسرقوا العلم سرقة. وخلال أقل من مائة عام كانت اليابان إمبراطورية صناعية. إيران خلال ربع قرن، بعد الخروج من الحرب، وصلت إلى الصناعة النووية وإلى هذا المقعد العالمي في الخريطة الفاعلة الدولية.
جماعة ما وراء الأكمة… كانوا جاهزين لشيء آخر غير الحضور الهامشي، إعلامياً وسياسياً، كانوا ينتظرون الفشل المدوي لكي يكون نتنياهو على حق، أن لا دواء لإيران سوى الإكتواء بالنيران!
مقدار ما من الاستخفاف بإيران، بسبب الإيديولوجيا… يوازيه مقدار كبير من الاحترام لإيران… بسبب الحضارة، الحضارة بالمفهوم الديورانتي: البناء من أجل آلاف السنين، وليس الاستهلاك لعشرات السنين.
هكذا تصبح اللعبة اللفظية، إذا شئتم:
من إيرانيوم إلى ديورانيوم!