حاتم علي: العرّاب السوري لا يتهرّب من الواقع

في مخيم ضبيّة للاجئين الفلسطينيين (شرق بيروت) حطّت كاميرا المخرج السوري حاتم علي لتصور بعض مشاهد مسلسله الجديد «سفينة نوح» المأخوذ عن رواية ماريو بوزو الشهيرة «العرّاب». يقول علي لـ «الحياة» عن سبب اختياره هذا المكان أنه يبحث عن مقاربة لبعض العشوائيات التي درجت الدراما السورية في العقد الأخير على استنطاقها في مسلسلات عدة. وفيما كان مخرج «التغريبة الفلسطينية» يجهز للمشهد التالي الذي يجمع بين منى واصف وأندريه سكاف كان مدير التصوير الكرواتي يقف مع مساعده ينصت لتعليمات حاتم علي، فيما بدا أن المخيم الفلسطيني الذي لم يعتد مثل هذه الزحمة قد أفاق في الخارج من سبات طويل نسبياً.

ولكن، ماذا يقول مخرج «ريبع قرطبة» حول وجود «عرّابين» سوريين لهذا العام. عرّاب داخلي (هناك مسلسل عن الرواية نفسها يصوره المثنى الصبح) اكتفى بالقول في تصريحات متتالية أنه لايقارب الأزمة السورية، وعرّاب خارجي – إن جاز التعبير – يُنتظر منه أن يقول شيئاً على هذا الصعيد؟ يجيب: «أي دراما سورية تدور وقائعها الآن أو في السنوات الأخيرة لا يمكنها، كما أنه لا يجوز أن تتهرب من استحقاقات الواقع. هذا لا يعني بالتأكيد لي عنق الدراما كي تدخل حيز السياسة في شكل مباشر، لكن تجاهل الواقع يفصح في شكل أو في آخر عن موقف سياسي. هذه ليست دعوة للاصطفاف خلف فكرة أو موقف معين بمقدار ما هي دعوة لتحمل المسؤولية الفنية والأخلاقية».

وعن الافتراق في الإعداد الدرامي لمسلسل «سفينة نوح» عن رواية «العرّاب»، وبالتالي الفيلم المأخوذ عنها بالعنوان ذاته للمخرج فرنسيس فورد كوبولا، يقول حاتم علي: «سيجد المشاهد صعوبة كبيرة إذا أراد البحث عن الرواية أو الفيلم في مسلسلنا، لأن الرواية كانت مجرد نقطة انطلاق لصنع عوالم محلية خالصة. لقد استفدنا من فكرة العائلة، وهو أمر مشترك ما بين المجتمعين السوري والإيطالي، على رغم أن أحداث الرواية تدور في أميركا، إذ إن لدينا في سورية أيضاً ما يسمى مافيا العائلة التي تتشابك مع عالمي السياسة والاقتصاد».

وعن صناعة مسلسل من 3 أجزاء قد تدفع بالمشاهد والناقد على حد سواء إلى عقد مقارنة مع كل جزء من أجزاء الفيلم على حدة، يقول المخرج: «حتى أكون صريحاً معك، ما هو واضح أمامي هو الجزء الذي أعمل عليه الآن. فكرة الجزء الثاني والجزء الثالث هي فكرة إنتاجية، ولكن أعتقد بأنها ستكون مرهونة بردود الفعل على الجزء الأول، وهو طموح مشروع في كل الأحوال، لكنه مرهون أيضاً بمستقبل الشخصيات وقدرتها على توليد أحداث وصراعات جديدة لأن التقسيم إلى 3 أجزاء لا علاقة له بالأجزاء الثلاثة من الفيلم. الجزء الأول يبدأ من احتفال زواج ابنة العائلة كما هو في الفيلم، ولكن بعد هذا المشهد يحدث الافتراق عن الفيلم والرواية، والذي مع تقدم الأحداث يتحول إلى طلاق نهائي مع الأصل، وبالتالي مستقبل الأجزاء مرهون بالدراما التي ابتكرناها». وحول ما إذا كان التصوير بعيداً من الأراضي السورية يشكل مصدر سعادة للمخرج السوري طالما أنه يتخلص من شبح الرقيب يقول علي: «الأمر مزدوج في حقيقته. نعم، شبح الرقيب يبدو باهتاً من جهة، ومن جهة أخرى حضور المكان يبدو مع الأسف باهتاً، فخلق وطن بديل أمر في في غاية الصعوبة، وهذا يؤثر في حجم الكادر، وحرية الحركة، والبحث عن أماكن شبيهة أمر مضن بسبب اختلاف الجغرافيا. وأعتقد بأن فقدان المكان الأساسي وهو مدينة دمشق أمر لا يمكن تعويضه».

وعن إمكان أن يصور هذا المسلسل في سورية وكيفية التعامل مع هذا الرقيب يقول حاتم علي: «الأكيد أنه لن يكون قراري الشخصي، بمقدار ما هو انصياع لتقارير ومتطلبات الرقابة التي يبدو أنها لم تسمع حتى الآن بما يحدث على الأرض السورية».

ويضيف علي حول اضطراره لتصوير عمله السوري الثاني بعد مسلسل «قلم حمرة» خارج بلاده وما إذا كان هناك أمر إيجابي في العملية إن تركنا الجانب السلبي فيها: «إذا أردنا النظر إلى نصف الكأس الملآن، فهو يتمثل في أننا ما زلنا نعمل على موضوعات سورية، وهذا أمر لا يعوض. لقد حققت أعمالاً في مصر وأعمالاً تاريخية لحساب محطات عربية، لكن العمل على موضوع سوري أصبح أمراً نادراً بسبب صعوبة العمل في سورية أيضاً، وأيضاً بسبب عزوف المحطات العربية عن شراء الأعمال ذات الموضوعات السورية الخالصة، وبالتالي وجود أي مشروع غير مرتهن لهذين الشرطين هو أمر إيجابي رغم كل الظروف الصعبة».

وعن وجود ممثلين وممثلات من المعارضة (جمال سليمان) والموالاة (سلمى المصري، باسم ياخور) في عمله الجديد يوضح حاتم علي مبتسماً: «أتعامل مع زملائي الممثلين بمهنية واحترافية عالية بغض النظر عن المواقف السياسية والاصطفاف السياسي، ووجود كل هذه الأطياف في عمل واحد أمر مهم. في البدايات ستلحظ الحذر والتوجس في العلاقة بين الممثلين، ثم فجأة يتحول العمل إلى ساحة للنقاش وتبادل الآراء ثم التقارب، وهذا الجزء من مهمات العمل الفني. في نهاية الأمر موقف العمل ورسالته سيطغيان بغض النظر عن توجهات العاملين فيه وآرائهم، وما دمنا ندّعي أننا ننادي بالديموقراطية فلا يجوز أن نستبعد الطرف الآخر إطلاقاً». وحول تمنعه طيلة الفترة الماضية عن إعطاء تصريحات صحافية حول مسلسل «سفينة نوح» يقول حاتم علي: «حتى هذه اللحظة أنا غير متحمس للحديث عن عملي، ولكن دعني أقل أن العلاقة الشخصية التي تجمعنا، إضافة إلى منبر «الحياة» نفسه أمران يؤخذان بالحسبان، ولا يمكنني تجاهلهما».

يذكر أن مسلسل «سفينة نوح» من كتابة رافي وهبي، ويشارك فيه:جمال سليمان، منى واصف، أندريه سكاف، باسل الخياط، سلمى المصري، باسم ياخور، سمر سامي، قيس الشيخ نجيب، ومن لبنان سميرة بارودي وزياد برجي، وسينتقل طاقم العمل قريباً إلى مدينة أبو ظبي لاستكمال التصوير.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى