أزمة أوكرانيا تفتح عين أوروبا على الغاز الجزائري
أزمة أوكرانيا تفتح عين أوروبا على الغاز الجزائري… بدأت دول أوروبية مثل إيطاليا، التحرك، نحو الجزائر للحصول على حاجتها من الغاز الطبيعي، في محاولة لتقليص الاعتماد على الغاز الروسي الذي يتعرض لإقصاء غربي بسبب حربها على أوكرانيا.
وتتجه الحرب في أوكرانيا لمنح الجزائر فرصا في مجال الغاز، لكن لا توجد رغبة لتعويض الغاز الروسي، نظرا لفارق الإنتاج، ولأن ذلك يعني استنزافا سريعا للحقول.
يبلغ إنتاج روسيا من الغاز. الطبيعي سنويا 638 مليار متر مكعب، بينما يبلغ الإنتاج الجزائري أكثر بقليل من 130 مليار متر مكعب بحسب بيانات رسمية.
وأطلقت روسيا فجر 24 فبراير/شباط الماضي، عملية عسكرية في أوكرانيا، تبعتها ردود فعل دولية غاضبة وفرض عقوبات اقتصادية ومالية “مشددة” على موسكو.
ونجم عن العملية ارتفاع كبير في أسعار النفط الخام التي تخطت 130 دولار للبرميل مسجلة أعلى مستوى لها منذ 2008.
كما ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي هي الأخرى في السوق الدولية على خلفية الهجوم الروسي على أوكرانيا، وبلغ سعر 1 ميغاوات/ ساعة في أوروبا 322 يورو (الإثنين 7 مارس/ آذار)، في مستوى قياسي.
وعقب العملية الروسية أعلنت الولايات المتحدة وقف وارداتها من الغاز والنفط الروسيين، كما تعتزم بريطانيا وقف الاعتماد على الطاقة من روسيا بنهاية العام الجاري.
وقبل أيام أجرى رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز محادثات هاتفية مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، تناولت ملف تعاون الطاقة، حسب بيان للرئاسة الجزائرية
** أخطاء أوربية
في هذا السياق أوضح الخبير الاقتصادي الجزائري، مصطفى مقيدش في حديث لـ “الأناضول”، أن تسلسل الأحداث والحرب في أوكرانيا، أظهر أن أوروبا كانت لها نظرة خاطئة بشأن عدد من الملفات المتعلقة بالطاقة.
ولفت مصطفى مقيدش إلى أن الأوروبيين كانوا يتحدثون عن تنويع مصادر الإمدادات بالطاقة، وعدم الاعتماد بشكل مفرط على روسيا، “لكن الأفعال على أرض الواقع كانت تقول العكس”.
“من أخطاء أوروبا، أنها أرادت إلغاء عقود الغاز الطويلة التي تربطها بالجزائر، وجرى تقليصها إلى مدة 10 سنوات على الأكثر بعد أن كانت تفوق 20 سنة، رغم أنها مصدر إمداد موثوق ومضمون”.
وعلق بالقول: “أوروبا كانت أصلا تريد التخلص نهائيا من العقود الطويلة والتوجه نحو السوق الحرة للغاز”.
“حتى الجزائر لما أطلقت مشروع أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي، المار عبر المغرب وصولا إلى إسبانيا (تم وقف العمل به الخريف الماضي)، كانت نظرتها هي أن يصل الغاز الجزائري إلى فرنسا ومنها إلى قلب أوروبا عبر ربط فرنسا بإسبانيا عبر جبال البيريني، لكن ذلك لم يحدث”.
** لا تعويض
ويعتقد مقيدش وهو نائب سابق لرئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي (تابع للرئاسة) ، أن الحرب الأوكرانية حملت تخوفات جدية بشأن إمدادات البترول والغاز إلى أوروبا، رغم أن القارة العجوز ليس بإمكانها أن توقف التزود بالطاقة الروسية.
“الحل بالنسبة لأوروبا على المدى المتوسط غير متاح، مهما حاولت اللجوء إلى مصادر أخرى في الخليج أو نيجيريا أو غيرها”.
واستبعد الخبير مقيدش زيادة إمدادات الغاز الجزائري نحو دول أوروبية أخرى على غرار ألمانيا والنمسا، معتبرا أنه غير متاح في المدى المتوسط على الأقل.
وزاد: “الجزائر لديها عقود مع شركاء أوروبيين على غرار إيطاليا وإسبانيا وتركيا والبرتغال وفرنسا، وأوفت دوما بالكميات المتفق عليها في العقود المبرمة”.
وتزود الجزائر أوروبا عبر خطي أنابيب، الأول يصل جنوب إيطاليا مرورا بتونس، والثاني يصل جنوب إسبانيا، وجرى وقف العمل بخط ثالث يصل جنوب شبه الجزيرة الإيبيرية مرورا بالمغرب الخريف الماضي.
وأنتجت الجزائر ما يفوق 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في 2022، وفق بيانات رسمية لشركة المحروقات الحكومية سوناطراك، صدرت منها ما يفوق 42 مليار متر مكعب.
“رغم وجود مطالب وضغوط من طرف أوروبا، إلا أنه ليس بالإمكان أن تضخ الجزائر أكثر مما هو متاح ومتوفر.. الجزائر لن تقوم بقتل واستنزاف حقولها في عملية كهذه وتقوم بالضخ أكثر من طاقة الحقول”، بحسب الخبير.
وتابع: “شخصيا استبعد قطع الإمدادات الغازية والنفطية الروسية عن أوروبا.. لأن ذلك ليس في مصلحة الطرفين”.
** خط الغاز نيجيريا – الجزائر – أوروبا
ويعتقد مصطفى مقيدش أن الأزمة الأوكرانية يمكن أن تدفع بمشروع أنبوب الغاز “نيجيريا – الجزائر – أوروبا” إلى الأمام، بالنظر إلى أنه موجه بالدرجة الأولى لتغطية استهلاك القارة العجوز.
وعلق بالقول: “رغم أن المشروع موجه إلى أوروبا لكن لم نر أية دولة أوروبية تعلن دعمها لهذا المشروع.. حتى قمة المناخ الأخيرة بـ غلاسغو الاسكتلندية، حاولت دول عدة من خلالها تجميد استثمارات شركات غربية في الطاقات الأحفورية (التقليدية) في بلدان أخرى (إفريقية وغيرها).
وتجدد الاهتمام الجزائري النيجيري بمشروع قديم لنقل الغاز إلى أوروبا، في إطار ما يعرف “الأنبوب العابر للصحراء”، الذي يمر، وفق المخططات- من أدغال إفريقيا إلى القارة العجوز، تزامنا مع أزمة غاز عالمية والحرب في أوكرانيا.
وبدأ الحديث عن مشروع أنبوب الغاز “نيجيريا – الجزائر” إفريقياً قبل أزيد من 20 عاما، يكون مرافقا لمشروع يحمل نفس التسمية وهو الطريق العابر للصحراء، الذي ينطلق من الجزائر العاصمة وصولا إلى لاغوس النيجيرية على مسافة 4600 كيلومتر.