هدف إردوغان في سوريا.. منطقة آمنة إلى الأبد؟
لقد مضت ثلاثة أسابيع على الخطاب الأول للرئيس التركي رجب طيب إردوغان والذي قال فيه “إن الجيش التركي سيجتاح الشمال السوري في أي لحظة ومن عدة محاور”. خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، وفي كل مناسبة، كرر إردوغان تهديداته هذه، والتي كانت وما زالت حديث الساعة سواء في الشارع التركي داخلياً، أو لدى الأوساط السياسية والإعلامية إقليمياً ودولياً.
وقد أعلنت كل من واشنطن وموسكو وطهران عن اعتراضها لأي عملية عسكرية تركية في الشمال السوري، في الوقت الذي ناشد زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو إردوغان “إرسال نجله بلال إلى ساحات القتال” داعياً إياه إلى “الإعلان عن مبررات وأهداف العملية العسكرية التي يتحدث عنها”.
الإعلام الموالي لإردوغان، ومنذ ثلاثة أسابيع، يتحدث بإسهاب عن العملية المحتملة، وهو ما استغربه الجنرالات المتقاعدون الذين استنكروا أسلوب إردوغان الذي يتحدث يومياً عن تفاصيل الخطة العسكرية وأسرارها. ويلفت هؤلاء الجنرالات الانتباه إلى تناقضات الرئيس إردوغان الذي يهدد ويتوعد وحدات حماية الشعب الكردية، ولكنه يتهرب من الحديث عن دعم واشنطن لهذه الوحدات، وهي تحت حماية القوات الأميركية الموجودة شرق الفرات.
ويستبعد الجنرالات أن يتحدى الرئيس إردوغان واشنطن، خاصة في هذه المرحلة التي يسعى فيها إلى كسب رضاها دعماً لسياساته الداخلية والخارجية، وبعد مصالحته “تل أبيب” والاتفاق معها على تطوير العلاقات في جميع المجالات وأهمها العسكرية والاستخباراتية.
يقول الجنرال المتقاعد خلدون صولماز تورك: “أستبعد قيام الجيش التركي بأي عمل عسكري شمال سوريا من دون موافقة موسكو وواشنطن”، اللتين سبق لهما أن أعطتا الضوء الأخضر في العمليات السابقة وهي: درع الفرات ( جرابلس ) في 24 آب /أغسطس 2016، وغصن الزيتون (عفرين) 20 كانون الثاني /يناير 2018، وينبوع السلام (شرق الفرات) 9 تشرين الأول / أكتوبر 2019 وأخيراً عملية أدلب 27 شباط/فبراير 2020. وساعد ذلك أنقرة في السيطرة على حوالي 9٪ من الجغرافيا السورية بالتنسيق والتعاون مع عشرات الآلاف من مسلحي ما يسمّى بـ”الجيش الوطني السوري المعارض” يضاف إليهم الآلاف من مسلحي النصرة الإرهابية في أدلب وجوارها.
وترى أحزاب وقوى المعارضة في هذا التنسيق والتعاون مع النصرة ومسلحي “الجيش الوطني” المبرر الأساسي لسياسات إردوغان في سوريا، والتي تهدف في نهاية المطاف إلى البقاء في الشمال السوري، أياً كانت التسمية “منطقة آمنة” أو “مناطق خفض التصعيد” أو “القضاء على الإرهاب” ( الكرد) أو “حماية حقوق التركمان”، أو العودة إلى نقطة الصفر عندما كان الهدف الأساسي هو التخلص من الرئيس الأسد وضم الشمال السوري إلى تركيا.
كل ذلك في إطار ما يسمّى بـ”خارطة الميثاق الوطني” التي ما زال الإعلام الموالي لإردوغان يتغنى بها طالما أن مثل هذه المواضيع تدغدغ المشاعر القومية والدينية لدى أتباع إردوغان وأنصاره، ولا يريد لهم أن يفكروا بواقعهم اليومي الأليم في ظل الكارثة المالية والاقتصادية وأعبائها الخطيرة على الشعب والدولة.
ساسة معارضون وجنرالات ودبلوماسيون متقاعدون ربطوا بين أحاديث إردوغان عن اجتياح الشمال السوري وبين مخططاته المستقبلية، والهدف منها تأجيل أو إلغاء الانتخابات المقرر إجراؤها في حزيران /يونيو العام المقبل بحجة المخاطر التي تستهدف الأمن الوطني داخلياً وخارجياً. ويفسر ذلك حالات التوتر التي تعيشها البلاد بسبب خطابات إردوغان اليومية التي تستهدف المعارضة والمعارضين إلى درجة أنه قال عن النساء اللواتي يعترضن على سياساته إنهن “ساقطات”.
ومع التذكير بتصريحات زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو الذي لم يخفِ قلقه من الميليشيات المسلحة التي قد تتدخل خلال الانتخابات القادمة وبعدها، يبدو واضحاً أن تركيا قد دخلت في مسار جديد لا تحسد عليه، بعد أن بات جلياً أن إردوغان سيخسر الانتخابات القادمة، وأنه سيفعل المستحيل لمنع وقوع مثل هذه الهزيمة مهما كلفه ذلك وكلف الدولة والأمة التركية، التي أثبتت كل استطلاعات الرأي أنها قد سئمت من أحاديث إردوغان وأسلوبه السياسي، فهو يهدد ويتوعد الجميع ويرى في كل معارضيه خونة وعملاء وإرهابيين بل وأكثر من ذلك!
ولا بد من الإشارة إلى تجاهل الأنظمة العربية تهديدات إردوغان لأنها ترى في هذه التهديدات عنصر موازنة جديداً للدور الإيراني في سوريا، خاصة بعد المعلومات التي تحدثت عن تصاعد هذا الدور بانشغال روسيا في الحرب الأوكرانية. ويدفع ذلك البعض للحديث عن احتمالات الموافقة الأميركية على العملية العسكرية التي قد تتحوّل إلى واقع إذا أحس إردوغان بمثل هذه الموافقة التي تريد لها واشنطن أن تزعج الروس في سوريا، ولو كان ذلك على حساب حلفائها الكرد، الذين ربطوا مصيرهم بالقرار الأميركي فقط. وهو ما قد يستغله إردوغان أولاً في اجتياح الشمال السوري في تل رفعت ومنبج وعين العرب، وثانياً لإجبار قيادات حزب العمال الكردستاني على العودة إلى الحوار معه لمنع الكرد من التصويت مع أحزاب المعارضة ضده وضد حزب العدالة والتنمية.
مع الإشارة إلى أن الجيش التركي لم يحشد أي قوات إضافية على الحدود مع سوريا، وهو ما كان يفعله سابقاً قبل كل عملية توغل أو اجتياح. يرى البعض في كل هذه الضجة العسكرية والسياسية والإعلامية محاولة مستميتة من إردوغان لكسب ود الرئيس بايدن، خاصة في هذه المرحلة التي يعرف فيها الجميع أن الانحياز التركي إلى جانب واشنطن والحلف الأطلسي في حربها ضد روسيا سيخلق لموسكو مشاكل صعبة ومعقدة وخطيرة جداً، لما لتركيا من موقع استراتيجي حساس جداً بالنسبة للروس، وذكرياتهم التاريخية مع الأتراك سيئة جداً والعكس صحيح.
يشبّه كثيرون وضع إردوغان بمحمد بن سلمان الذي يسعى بايدن إلى مصالحته بعد كل ما قاله عن مسؤوليته في جريمة جمال خاشقجي، وهو ما نسيه وتناساه إردوغان أيضاً عندما التقى بن سلمان في جدة الشهر الماضي . ومن دون أن يكون واضحاً ما إذا سيعامل الرئيس بايدن إردوغان كما سيعامل بن سلمان، وهو الذي اتهم إردوغان في تشرين الأول/ أكتوبر 2014 (ومعه الإمارات والسعودية ) بدعم كل الفصائل المسلحة في سوريا بما فيها “داعش” والنصرة والقاعدة بهدف التخلص من الرئيس الأسد، وهو الذي قال نهاية 2019 عن إردوغان إنه ” استبدادي ولابد من التخلص منه عبر دعم المعارضة في الانتخابات القادمة ” . ويعرف الجميع أن مثل هذا الدعم المحتمل سيخلق لإردوغان مشاكل على الصعيدين الداخلي والخارجي، وهو ما دفعه إلى الإعلان عن دعمه رئيس الوزراء الباكستاني الجديد شاهباز شريف (جاء أنقرة قبل يومين) الذي حل محل عمران خان الذي أطاحته واشنطن بالتنسيق والتعاون مع السعودية والإمارات.
باختصار، هذه هي الصورة الكبرى لمخططات إردوغان عبر الحديث المتكرر عن التوغل العسكري التركي شمال سوريا بحجة القضاء على الإرهابيين. وتقول المعارضة هنا إن ذلك سيكون سهلاً جداً لو فكر إردوغان بالتنسيق والتعاون مع الدولة السورية التي تريد أن تتخلص هي أيضاً منهم لأنهم يحتلون جزءاً من الأرض السورية وبحماية أميركية و أوروبية.
ويبدو واضحاً أن إردوغان لم ولن يفكر بذلك مع استمرار التآمر العربي التقليدي ضد دمشق، وأياً كانت الأسباب . كما يعرف إردوغان أن سوريا بوضعها الداخلي المتزعزع أمنياً والصعب سياسياً والأخطر بكثير اقتصادياً ومالياً واجتماعياً لا ولن تستطيع التصدي لأي من مخططاته ومشاريعه، التي يعتقد أنها تحظى بتأييد قطاعات واسعة من السوريين في الداخل والخارج . وإلا لما استمر في أسلوبه هذا ولما استمر في تبنيه لورقة اللاجئين السوريين لأنهم مادة دعائية فعالة لمشاريعه ومخططاته المعروفه في سوريا . وتهدف هذه الحملة الدعائية لتسويق تركيا على أنها نموذج اقتصادي ناجح ودولة تتبنى قضايا المسلمين في سوريا، ومن دون أن يخطر على بال أحد أن سوريا تعرضت وما زالت لأكبر حرب كونية لم يشهد التاريخ لها مثيلاً. وفي جميع الحالات، لم يستخلص أحد ( السوريون من دون استثناء والكرد وإردوغان والأنظمة العربية ) من أحداث السنوات العشر الماضية ما يكفيهم من العبر والدروس، وبدونها لا حل للأزمة السورية في المديين القريب والمتوسط طالما أن الرئيس إردوغان مصمم على البقاء في سوريا، ولا أحد يستطيع أن يجبره على الخروج منها في ظل المعطيات السورية والإقليمية والدولية الحالية!
الميادين نت