الجزائر تليّن موقفها إزاء قيس سعيّد
يعتقد متابعون أن لقرار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إعادة فتح حدود بلاده البرية مع تونس في الـ15 من يوليو/ تموز الجاري، تبعات اقتصادية على التونسيين والجزائريين. كما اعتبروه مؤشرا على بداية ذوبان الجليد الذي غطى جدار العلاقة بين تونس والجزائر في الأشهر الأخيرة.
وكانت تونس والجزائر قررتا في آذار/مارس 2020 غلق الحدود البرية بينهما بسبب انتشار فيروس كورونا. ثم عادت تونس لتفتح حدودها لكن الجزائر ظلت مصرة على الغلق رغم هدوء موجة الوباء.
وسبق للسفير الجزائري في تونس عزوز بعلال أن قال خلال مشاركته في الاحتفال بالذكرى الستين لاستقلال الجزائر الذي نظمته السفارة، إن الحدود التونسية الجزائرية “أغلقت لأسباب صحية وفي إطار التوقي من انتشار فيروس كورونا”، مشيرا إلى أنه سيتم إعادة فتحها قريبا.
وتأثرت تونس بشكل كبير والجزائر بدرجة أقل بغلق الحدود بالنظر إلى العدد الكبير من السياح الجزائريين الذين كانوا يتنقلون إلى المدن التونسية، فيما كانت أعداد كبيرة من التونسيين تدخل الجزائر من أجل التسوق.
وفي مايو/ أيار المنقضي قال مسؤول دبلوماسي رفيع المستوى لموقع حقائق أونلاين الإخباري إن قرار السلطات الجزائرية المتعلق بعدم فتح الحدود البرية مع تونس “يتعلق بأسباب اقتصادية وبالأساس بأزمة نقص الكثير من المواد الغذائية في تونس.
وأضاف المصدر أن الجزائر تتخوف من أن يتسبب قرار فتح الحدود البرية مع تونس في تسجيل نقص للمواد الغذائية في الجزائر كالزيت والدقيق بالتزامن مع نقص مسجل لنفس المواد في تونس.
وفي منتصف آذار مارس من عام 2022 أعلن الرئيس الجزائري حظر تصدير المواد الغذائية الأساسية.
وكانت السلطات الجزائرية أغلقت في الـ23 من فبراير/ شباط 2021 المعابر الحدودية مع تونس أمام كافة أنواع الحركة التجارية والسياحية.
وبلغ حجم المبادلات التجارية بين البلدين 1.259 مليار دولار أميركي عام 2020.
وساهم إغلاق الحدود بين البلدين أيضا في تراجع مداخيل السياحة التونسية، لا سيما وأن الجزائريين يحتلون صدارة السياح الوافدين إلى تونس حسب أرقام وزارة السياحة التونسية التي قالت إن عدد السياح الجزائريين بلغ 3 ملايين سائح سنة 2019.
وبين تونس والجزائر 8 معابر حدودية رسمية يتدفق منها السياح والسلع فضلا عن معابر غير قانونية حيث تنشط عمليات التهريب والجماعات الإرهابية.
ولا تمثل الحدود البرية بين تونس والجزائر معبرا سياحيا وتجاريا فحسب، بل تمثل أيضا نقطة عبور مهمة للجزائريين الذين يقصدون تونس للعلاج ومئات الطلاب التونسيين الذين يدرسون بالجزائر.
وتحدث مراقبون في وقت سابق عن أن هناك “قلقا جزائرياً واضحا من التطورات في تونس، مرتبطا بشكل أكبر باستشعار الجزائر وجود تدخلات أجنبية واضحة في هندسة الخيارات الداخلية لتونس، واستدراجها إلى اصطفافات ومحاور مقلقة بالنسبة للجزائر”.
وهو عبّر عنه الرئيس الجزائري أكثر من مرة، مشدداً على “رفض الجزائر أي تدخلات أجنبية في تونس، واستعداد بلاده لدعم تونس ضد هذه التدخلات”.
وراجت شائعات في الفترة الأخيرة تردد أن إصرار الجزائر على إغلاق حدودها البرية مع تونس يعود إلى وجود معلومات استخباراتية تتعلق بتهديدات إرهابية قادمة من تونس نظرا للحالة السياسية والأمنية الهشة التي تمر بها تونس.
وفي تصريح خاص لـ”ميدل إيست أونلاين” استبعد المحلل الأمني والاستراتيجي علي الزرمديني تلك الفرضية مشددا على أن “التنسيق الأمني بين تونس والجزائر لم ينقطع يوما”.
ورجح الزرمديني أن تكون هناك دواع سياسية هي التي تقف وراء الموقف الجزائري خاصة في ما يتعلق بموقف تونس المحايد من قضية الصحراء المغربية”.
وأضاف أن “الجزائر تعتبر قضية الصحراء المغربية جزءا من أمنها القومي، وتنظر بعدم الارتياح لموقف الحياد الذي تتخذه تونس إزاء القضية”.
وفي يونيو/ حزيران الماضي قال وزير الخارجية التونسي السابق المنجي الحامدي في حوار إذاعي إن “مسائل أمنية جزائرية وراء غلق الحدود بين البلدين”.
وفي وقت سابق عمدت الجزائر التي أعلنت دعمها للمرشح التونسي المنجي الحامدي لمنصب المبعوث الأممي إلى ليبيا، إلى ترشيح وزير خارجيتها صبري بوقادوم لهذا المنصب الذي قوبل برفض إماراتي.
وأوردت جريدة الخبر الجزائرية خبرا يتعلق باحتجاج الوفد الجزائري المشارك في ندوة عربية حول التحول الرقمي احتضنتها تونس الشهر الماضي، على عرض خريطة لا تشير إلى الحدود الفاصلة بين المغرب والصحراء المغربية.
وسحبت هيئة الضمان الاجتماعي التونسية المنظمة للندوة الخريطة قبل أن يكمل الوفد الجزائري مشاركته في الندوة.
واستدرك الزرمديني قائلا “إنْ كان هناك عامل أمني يتدخل في مسألة غلق الحدود، فإني أرجح قلق الجزائر من حصول تونس على وضعية الحليف الأساسي خارج حلف شمال الأطلسي سنة 2015”.
ورغم التطمينات التي قدمتها تونس للجانب الجزائري في مناسبات عدة، فإن الجزائر مصرة على الحديث عن قواعد عسكرية أو مشاريع قواعد في محافظة مدنين بالجنوب التونسي غير البعيدة عن الحدود الجزائرية، فضلا عن محافظة القصرين الحدودية التي تنامت فيها الأنشطة الإرهابية طيلة العشرية الماضية.
وأبدت الجزائر تفهما كبيرا للإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد في الـ25 من يوليو/ تموز الماضي. وزار وزير خارجيتها تونس 4 مرات في شهر واحد إلى جانب زيارة قام بها الرئيس الجزائري لتونس في كانون الأول/ ديسمبر المنقضي. لكن برودا ساد العلاقات بين البلدين في الفترة الأخيرة.
ويعتقد مراقبون أن من شأن مشاركة سعيّد الجزائر احتفالاتها بالذكرى الستين للاستقلال رأب الصدع بين الطرفين.
ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية أن تبون قال لسعيّد أثناء توديعه “أتمنى كل الخير للأشقاء في تونس بمناسبة الاستفتاء على الدستور” المقرر في 25 من الشهر الجاري.
ميدل إيست أون لاين