«الإخوان» في مصر ومخاوف الانقسام

يعاني تنظيم «الاخوان المسلمين»، الذي يقرب عمره من تسعين عاماً، من تصدعات داخلية لعله لم يمر بها في تاريخه. وهي تصدعات تحتم طرح السؤال التالي: أي نوع من التنظيمات سينشأ جراء تضعضع «الإخوان» وتخلخل بنيانهم؟
ينبع هذا السؤال من حتمية القول إن أي تشكيل تنظيمي عندما ينحل، يفسح المجال أمام صراع خفي بين تنظيمات أخرى تعمل على استقطاب عناصره. وهذا الاستقطاب غالباً ما يكون مبنياً على مزيج من الإحساس بالخيبة والميل نحو رد الاعتبار. فإذا ما أضيف إلى التصدع شعورٌ بالاستهداف، فإن توجه القاعدة سيكون نحو خيارات أكثر تطرفاً.
لقد حكمت جماعة «الاخوان» مصر سنة واحدة، لكنها بنظر الكثيرين كانت كافية لإطاحتها. فبعيداً عن السجال الكيدي، يمكن القول إن «الإخوان» فشلوا في حكمهم. إلا أن فشلهم الأكبر كان في قراءة المشهد الداخلي المصري ومتغيراته، وفي التعاطي مع هذه المتغيرات.
ربما وثق «الاخوان» كثيرا بالأميركي ووعوده، أو ما قيل عن توجه واشنطن لدفع الإسلام السياسي الى الواجهة في مصر. لكن الثابت أن هذه الوعود والتوجهات، إن صحت، لم تكن كافية لإنقاذ الجماعة.
وتنبع خطورة فشل «الإخوان»، بغض النظر إن كان ناتجاً من عوامل ذاتية أو مؤامرات خارجية، من أن قاعدة الجماعة مهيأة لتكون بيئة مناسبة لعمل التنظيمات والجماعات المتشددة.
والواقع أن من يتابع شؤون الجماعة في مصر، يدرك عمق الأزمة الداخلية التي يعيش فيها جزء كبير من قاعدتها الشعبية. فقد أدت إخفاقات الجماعة إلى بروز موجة من الانتقادات غير المسبوقة في صفوفها، وهي التي لطالما كانت قائمة على مبدأ الطاعة والانضباط الصارم.
ويمثل هذا مؤشراً على وجود تغيّر كبير. إذ لم يحدث من قبل أن واجه قادة الجماعة مثل هذه المعارضة الداخلية من قبل الأعضاء العاديين. فحتى في الأزمة التي واجهتها الجماعة العام 1954، لم تصل الاعتراضات الى القاعدة والقيادات الدنيا، بل اقتصرت على بعض القيادات التي ضمت إليها أعداداً محدودة من المنشقين.
إن وجود معظم كوادر الحرس القديم داخل السجون، من شأنه أن يؤدي، فضلاً عن مخاطر التسرب إلى جماعات متشددة، إلى ظهور قيادات بديلة تسعى لملء الفراغ. صحيح أن ذلك قد يبعث الحياة في جسم الجماعة، لكنه أيضا يرفع من منسوب التنافس على المناصب، وقد يؤدي إلى تراكم الأخطاء بسبب قلة خبرة هؤلاء، خصوصاً في ظل الظروف الحساسة والمعقدة راهناً.
وثمة في مصر من يعتبر أن أي انقسام داخل الجماعة من شأنه أن يؤدي إلى ظهور خط أكثر تشدداً من رحمها. وربما ينظر البعض في السلطة إلى هذا الأمر إيجابا، على اعتبار أنه يبرّر العنف في التعامل مع هؤلاء. لكن النظرة هذه تبدو قاصرة عن رؤية حجم المخاطر التي يمكن أن يمثلها تحول قاعدة إخوانية عريضة إلى تبني نهج متشدد، لا سيما أن شعبية الجماعة ما زالت كبيرة، وأن وجودها لا يقتصر على شبه جزيرة سيناء كما هي الحال الآن في ما يخص «داعش».
في مطلق الأحوال، من الواضح أن هناك كتلة جديدة من نشطاء «الإخوان» ممن لا يلتزمون بالأساليب القديمة للقيادة. ويمكن أن ينعكس هذا على شكل الجماعة من خلال انقسامها إلى شطرين، وإن كان ذلك سيواجه مشكلة تتعلق بالأصول المالية والشرعية السياسية التي تمتلكها الجماعة، والتي ما زالت بمعظمها بيد الحرس القديم.
من حيث المبدأ، فإن الانقسام داخل «الإخوان»، يعني عملياً نهاية الجماعة كما عرفناها منذ التأسيس. لكن القيادات المعترضة على الحرس القديم لا تبدو قادرة على الاستمرار كمكونٍ جدي في ظل عدم امتلاكها الأدوات اللازمة لهذا الأمر. لذلك، لا يبدو احتمال انقسام «الإخوان» جديا في المدى المنظور، إلا إذا ما قررت بعض الأطراف تمويلها ودعمها لكسب قاعدتها وتوظيفها في مشاريعها في المنطقة.
صحيفة السفير اللبنانية