غسيل الدماغ …!!!!
منذ زمن طويل .. وأنا أحاول أن أستوعب الآلية التي تتم فيها عملية غسل الدماغ .. حين أقف مشدوهة أمام رد فعل البعض وتعليقه على أحد المواقف أو المشاهد أو الوقائع .. أو حتى طريقة تعامله مع الحدث أو تبنيه فكرة ما .. حيث يصبح هذا الدماغ أداة سهلة بيد البعض لإيصال فكرة أعتبرها أنا أو غيري مشوهة .. أو تنفيذ عمل بطريقة آلية بعيدة عن منطق العقل والتفكير . .. بينما يعتبر البعض هذا الفعل حدثاً بطولياً .. أو فعلاً خارقاً .. يستحق الثناء والتقدير.
ومن أساليب غسل الدماغ التي لفتت نظري هي حالة استحضار القوى الخفية وعرضها بشكل ملموس على الشخص الذي يغسل دماغه باستعمال بعض المؤثرات المرئية والصوتية واللمسية .. وباستخدام بعض أنواع الحشيش والمخدرات والكحوليات .. ليشعر الشخص بحالة تفوق خارق… وبحالة من استثارة كاملة .. مرفقة بمتعة فوق طبيعية .. تنقله الى حالة لا وعي مطلق يصبح عندها باستعداد تام للقيام بمهمات مستحيلة، حتى ولو كلفته حياته كلها، لأنه عاش مرحلة خيالية من الاستمتاع وهي ما تم الترويج له على أنه حقيقة المرحلة التالية التي سيعيش فيها إذا ما نفذ هذه المهمة أو هذا الفعل.
أسلوب تم استخدامه فيما مضى عند الشعوب القديمة، كطريقة للسيطرة على شخص ما، باسم الماورائيات والقوى الخفية الجبارة، وتم اتباع هذه الطريقة من قبل السحرة والمشعوذين، والذين كان يستعين بهم من يحتاج لتنفيذ عملية ما دون أن يلوث يديه .. حتى وصل الأمر الى استخدامه من قبل بعض المتطرفين الذين يصورون الجنة لهذا الشخص على الأرض .. ويعدونه بها مقابل تنفيذ أمر على درجة عالية من الخطورة ..كعملية انتحارية أو إجرامية.
والأسلوب الأخطر الذي يتم غسل الدماغ فيه اليوم على مستوى أعلى هو الإعلام .. ووسائل الاتصال المختلفة .. والذي يكون خطره أكبر ومساوئه أشد إذ يعمل على مستوى شعبي جمعي .. ضمن سياسة مدروسة و ممنهجة .. لزرع فكرة ما خلال مدة زمنية تقصر أو تطول حسب أهمية الحدث، ورغبة الممول بعمق تأثيرها .. من خلال التركيز والتكرار على استخدام الصور والمصطلحات والمؤثرات .. ودغدغة المشاعر الانسانية أو الوطنية أو الدينية أو الطائفية مما يؤدي الى تضخيم الحدث .. أوحتى خلق حدث بكامله يخدم مصلحة ولا يخدم قضية .. !!
فالإعلام سلاح ذو حدين .. يصنع فكراً ورأياً، ويساهم في نشر الوعي والثقافة والعلم، والقضاء على التخلف وتوابعه .. أو قد يكون هو الأداة في خلق التطرف والعداء، وتعميق الخلافات والشروخ والانقسام، وعاملاً في تعزيز التخلف والجهل .. حسب الممول وسياسته .
فتحتَ شعار حرية الرأي والإعلام .. نجد الكثير من القنوات التي تدّعي المصداقية والحيادية والشفافية .. وهي أبعد ما تكون عنها .. بحيث تعمل على تزوير الحقائق .. وفبركتها .. واللعب على الفروقات والخلافات .. ونشر الأخبار المسيئة .. كما نجد الكثير من القنوات الدينية التي بدل أن تعمل على نشر تعاليم الدين الحقيقية ورسائله السماوية من أجل نشر التسامح والتحابب والسلام فإنها تعمل على تعزيز الفوارق وتعميقها ونشر الكراهية والعداء.
كثيراً ما ترى المشاهد يتخندق خلف قناة إعلامية يعتبرها مرجعيته الأخلاقية والإخبارية .. تحقق له هدفين .. الأمان ولو كان زائفاً، وتمنحه المعلومة التي يريد سماعها .. ويقاطع باقي القنوات متهماً إياها بالكاذبة والمغرضة مما يصنع شريحة من المغرر بهم .. وهم فئة من الناس أراها ضحية تلفيق الإعلام وكذبه وأجندته .. يجب التعامل معها باستيعاب ووعي وتقبل .. وليس بعدائية واستغباء، فهم مغسولي دماغ بطريقة حضارية ….!!
فالمسؤول عن هذا الغسيل الجماعي وعن تأثيراته .. هو الإعلام ومن خلفه .. ويجب إدراك هذه النقطة تماماً في تعاملنا مع المتلقي .. والعمل على إيجاد سبل نقل الحقيقة.. والتأكد من عدة مصادر قبل تصديق الخبر أو نفيه .. لتكتمل الصورة ..
فحين تغيب الحقيقة المجردة من المصالح، وتعلو المصلحة المجردة من الحقيقة .. تتحول الشعوب الى قطعان مسلوبة الإرادة ومغسولة الدماغ، وتصبح الرقابة هي رقابة الضمير وحده … وإلا … فإن الشعب سيصحو على كارثة انسانية …!!
فحرية الإعلام لا تكفي لكسبه مصداقية، إنما مصداقية الإعلام هي التي تساهم في تحرير الانسان من الاستغلال والتبعية.