حرب باردة بين مرسي والعسكر (وائل عبد الفتاح)

 

وائل عبد الفتاح

ــ 1 ــ


الرئيس تنازل.
لا تتخيّل ماذا فعل؟ لقد سحب بلاغاته ضد الصحافيين. تلك التي اعلن مراراً انه لم يقدمها. لكنها خطوة، تبدو فوق المنطق، او تكاد تثبت منطقاً جديداً في «مصداقية» الرئاسة في بلد كان يعبد حكامه.
لكنها التهدئة، وما تمليه من عبث يرى مثلاً ان كل ما دفعت البلاد ثمنه من دماء وفوضى سينتهي فور الاتفاق مع جبهة الإنقاذ بعد رسائل لا نراها ولا نحدد حامليها (كلهم ينكرون) وكل هذا على مسألة بسيطة لا تتجاوز المطالب الثلاثة:
[ حكومة جديدة.
[ إبعاد النائب العام.
[ قانون انتخابات توافقي.
كل هذا الدم من اجل ان يعود الجنزوري الى رئاسة الحكومة؟ بالفعل رئيس الحكومة التاريخي، عابر الانظمة، القادم من زمن تماسيح مبارك، والمنقذ ديناصورات العسكر، ها هو يصبح أملاً اخوانياً وتتسرب الى الصحف انباء التفاوض مع الدكتور كمال الجنزوري الذي يبني كل حضوره (بالنسبة لجمهور واسع) على إقالته من منصب رئيس الحكومة بعدما لاحظ مبارك شغفه بالتكويش على السلطة.
لكن الاحتياج الاخواني له لا يتعلق بهذا الرصيد تحديداً، ولكن بدرايته المتفحّصة بماكينة البيروقراطية التي تبدو عصية على «الاخونة».
الجنزوري دليل جديد على الفشل الاخواني، او عودة إلى زمن الديناصورات، خاصة ان شروط الجنزوري لن يقدر عليها مرسي وجماعته، فهو الخبير الذي يصبغ شعره، لكن معه المفاتيح كما تقول كتب أنظمة الاستبداد سيعزل هو عن مجاله السياسي ليعمل في كل العصور، وتسير معه السفينة كما سارت في ايام العسكر الأخيرة.
قائمة الترشيحات حافلة بالرفض: نبيل العربي أمين الجامعة العربية وفاروق العقد محافظ البنك المركزي السابق، كلهم من نوع الموظفين اصحاب مكانة لا تريد الاهتزاز امام شهوة الجماعة، كما لم يعد لديها وقت تكون فيه دمية في يد الكهنة السريين.
لكن ماذا سيفعلون بهشام قنديل وقد عاد بالكنز القطري؟


2
 

المعونة القطرية.
هذا ما يقود به مرسي زمن التهدئة. ستضخ أموالاً، لكنها لن تنقذ اقتصاداً، وستلعب دور مسكنات تربط مرسي ونظام الاخوان بدورة سياسية، تبدو فيها قطر اللاعب الرئيسي في التحضير لحرب اقليمية باردة مسيطر عليها (بين السنة والشيعة.. إذا اردت او بين المشروع الاميركي وممانعته اذا ساء، توصيفات اخرى).
تلعب قطر على أكثر من طرف لتبدو بحجمها الصغير، وبخفتها التاريخية، عنصراً مقلقاً لكيانات تقليدية كبرى، لا بد أن تفقد مواقعها في اطار تفكيك وتركيب المنطقة، في اطار «قومية البيزنس» التي تطلب من مصر أن تبقي على موقعها من دون فعالية، او من دون «تصدير» ثورتها او في صورة محدثة للبطل المدافع هذه المرة ليس عن العروبة، ولكن عن السنية.
مرسي نسخة ينفخ فيها لتلعب الدور بعد صعوده من الكومبارس، ولهذا فاتورته التي يجب ان يدفعها احد.
قطر تدفع من أجل ان يُعاد تركيب «مبارك» الاخواني، المعتمد على معونات إقليمية (كانت تأتي ايام مبارك من الرياض وابوظبي) وها هي مع مرسي تأتي من الدوحة.
المعونة القطرية تعيد اساساً من اساسات دولة مبارك، وهي ان استقرار نظامه، يرتبط بعناصــر خارجــية: رعايـــة اميركيـــة تغطيـــها اموال خليجية.
تسويق هذه المعادلة لم يعد سهلاً بعد الثورة، او في ظل استمرارها، لانها شعبياً لم تعد تسمى «اخوة» او «تضامن اشقاء» او حتى «فاتورة رد الجميل للشقيقة الكبرى». اسمها الآن «تسوّل» كما تقول خطابات تصل في تطرفها الساخر عبر باسم يوسف في أغنية «قطري حبيبي» التي هزت ايقونة غنائية من ايقونات الوحدة (الناصرية)، ودفعت جمهوراً للبكاء امام مخزن العواطف القديمة.
«المعونة القطرية» هي إعادة ربط مرسي بنظام إقليمي، مشكلته أنه غامض بالنسبة للجمهور العادي الذي لا يفهم كيف تجمع بين «حماس» و«إسرائيل» في سلة واحدة.


3
 

معجزات انتهت صلاحيتها.
وكل ما فعلته اخبار المعونة القطرية انخفاض سعر الدولار في السوق السوداء (عشر قروش كاملة)… وشعر مرسي بانتعاش جعله يسرب أنباء تغيير الحكومة (برئيسها ووزراء الداخلية والعدل والخارجية والمالية والإعلام…على الاقل)… وهذا ما قاله مرسي لمندوبة الاتحاد الاوروبي كاثرين آشتون في زيارتها التي لعبت فيها دور الوساطة الصامتة بين الجماعة والجبهة. الكلام ما زال عند الاميركيين وطيف اتصالاتهم الواسع، مع اطراف اكثر اتساعاً وتأثيراً وعلى رأسها الجيش.
وفد اميركي زار مصر الاسبوع الماضي سراً، لم يعلن عنه الا في بيان من وزارة الدفاع على الوكالة الرسمية بعد لقاء مع الفريق السيسي، ولم يكتب عنه في الصحافة الاميركية سطر واحد حتى الآن.
الوفد برئاسة سيناتور بنسلفانيا روبرت كاسي، رئيس اللجنة الفرعية في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، وصحبته مجموعة من شخصيات يمكن وصفها بالغامضة بالنسبة لشهود تحفل رواياتهم بوصف لهذه الشخصيات (أعمارهم كبيرة… اكثر اناقة من الوفود الاميركية المعتادة… لا يتكلمون كثيراً… ويرفضون حضور أحد خارج الوفد).
هل أتى الوفد لتقييم ماذا بعد مرسي؟ ام للبحث عن طرق إنقاذ تمدّ في عمر مرسي فترة اطول؟
الزيارة سابقة على المعونة القطرية، وعلى تجدد اشتعال الحرب الباردة بين الجيش ومرسي عقب نشر صحيفة «الغارديان» البريطانية تقارير مسربة من لجنة تقصي الحقائق حول الفترة الانتقالية تثبت تورط العسكر في جرائم اختفاء قسري وتعذيب وقتل للثوار.
ولأن الجيش يدير حربه بالإعلام فإنه صبح معتاداً في الفترة الاخيرة ان يتصل المتحدث العسكري بالمحطات لحظة انتشار تسريبة من جانب الاخوان ليقترح استضافة شخصية (من خارج الخدمة) لتشارك في الحوارات التلفزيونية وتقدم وجهة نظر الجيش.
هذه الشخصيات تسمّى فى الصحافة المشاركة في الحرب الباردة هذه، «مصادر عسكرية»، واحدها قال تعليقاً على «الغارديان»: لماذا الآن؟ ولماذا اقتصرت التقارير المسربة على ما يتهم الجيش؟
وكان مصدر آخر من المجموعة نفسها اعلن بشكل ما ان اعداد توكيلات للجيش (وبالتحديد الفريق السياسي) وصلت الى رقم المليون.
الجيش له ظهير شعبي الآن، وهو ما يحتاجه في معركة إعادة توزيع الأنصبة في «شركة الحكم» ومن أجلها سيظل معلقاً على رقبة مرسي ما يصطلح شعبياً عليه بـ«نزول الجيش»… وهو لن يحدث منطقياً… لكنها حركة من اجل خلخلة المساحات في لعبة صدام الديناصورات.
ماذا ستفعل التهدئة في تلك اللعبة؟
وإلى اين ستقود المعونة القطرية نظام مرسي؟

 

صحيفة السفير اللبنانية

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى