بعد سبعين سنة على قنبلة هيروشيما … ماذا تعلّمت الحكومات؟
لن يمحى تاريخ السادس من آب 1945 من ذاكرة اليابانيّين بسهولة. في ذلك التاريخ، ألقت طائرة “بي 29” الاميركيّة أوّل قنبلة ذرّيّة (ليتل بوي) على مدينة هيروشيما، فانفجرت فوقها على علو 700 متر تقريباً، حاصدة على الفور 80000 قتيل. وبعدها بثلاثة أيّام، ألقت طائرة أخرى من نفس النوع قنبلة أخرى( فات مان) فوق مدينة ناغازاكي، قاتلة حوالي 40000 شخص من المدينة. عدا عشرات آلاف الجرحى والمشوّهين والذين قضوا لاحقاً بسبب الاشعاعات.
ولم يمحَ ذاك اليوم تحديداً من ذاكرة تسوتومو ياماغوشي، الياباني الذي كان في يوم عمل داخل هيروشيما حين انفجرت القنبلة الذرية على بعد ثلاثة كيلومترات عنه ورمت به تحت الانقاض تاركة إيّاه يتلوّى بحروقه، قبل أن يستطيع الهرب بصعوبة بالغة الى مسقط رأسه ناغازاكي حيث انتظرته القنبلة الثانية كي تنفجر على نفس المسافة وينجو منها أيضاً. ياماغوشي الذي توفي عام 2010 عن عمر ناهز ثلاثة وتسعين عاماً، أصبح الياباني الوحيد الذي اعترفت به الحكومة كناجٍ من الانفجارين الذريّين معاً.
كانت الحرب في المحيط الهادئ ومنذ بداية سنة 1944 تصبّ في مصلحة الحلفاء، لكنّ اليابان أصرّت على متابعتها. في الجهة الاخرى، رأى مستشارو الرئيس الاميركي هاري ترومان أنّ خطّة اجتياح اليابان التي كانت معروفة باسم “اوبيريشن داونفول” ستكلّف الاميركيّين خسائر بشريّة هائلة، فنصحوه باستخدام القنبلة الذريّة للتخفيف من عدد القتلى المتوقّع، والاهم، لإعطاء الاميركيّين الموقع المتقدّم في تحديد عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية. وبعد أسبوع على القاء القنبلتين، وتحديداً في الخامس عشر من آب، أعلن الامبراطور الياباني هيروهيتو استسلام بلاده غير المشروط.
مصادر عدّة تؤكّد أنّه لو لم تعلن اليابان استسلامها بعد القنبلة الثانية، فإنّ ترومان كان ينوي إلقاء قنبلة أخرى في شهر آب، تتبعها ستّ قنابل بين شهري أيلول وتشرين الاول…
منذ 1947 وحتى اليوم، يصدر علماء الذرّة مجلّة يقدّرون فيها مدى قرب نهاية البشر على كوكب الارض بسبب كوارث عالميّة والتي تعدّ الحروب النوويّة من أبرز مؤشّراتها. التقرير يصدر على شكل ساعة ذات عدّ تنازليّ تدقّ حتى الوصول الى منتصف الليل حيث يشير انتصافه الى حصول الكارثة وانتهاء العالم. هذه السنة ، ومع إدراج التغيّر المناخي والاحتباس الحراري على جدول الكوارث التي تهدّد الارض، أصبحت الساعة تشير الى الساعة الحادية عشرة والدقيقة السابعة والخمسين ليلاً أي أنها تسبق النهاية بثلاث دقائق فقط. ويعرّف العلماء هذه الساعة بأنّها “دومس داي كلوك” او ساعة القيامة.
عام 1961 فجّر الاتحاد السوفياتي أقوى قنبلة نوويّة جرّبها البشر على الاطلاق تحت اسم قنبلة “القيصر” وبلغت قوّتها أربعة أضعاف أقوى قنبلة نوويّة توصّلت اليها الولايات المتحدة في تلك الحقبة. وتوالت بعدها تجارب نوويّة أخرى لبريطانيا وفرنسا والصين وغيرها.
اعتبرت معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النوويّة، خطوة بارزة في معالجة تفشّي انتشار سلاح قد يؤدّي الى هلاك البشريّة. ولدت تلك المعاهدة عام 1968 لتدخل حيّز التنفيذ عام 1970، ووقّعت 189 دولة حتى الآن عليها. وأجريت مراجعة للمعاهدة سنة 2010 من قبل 172 دولة حيث تمّ وضع خطّة عمل تحتوي على إجراءات للمضيّ قدماً في الحدّ من انتشار وإزالة السلاح النووي، وآليّات الاستخدام السلمي للطاقة النوويّة بالاضافة الى مسائل أخرى مرتبطة بها. أمّا معاهدة الحظر الشامل للتجارب النوويّة التي فتح باب توقيعها عام 1996، فشرّعت الباب أمام تكريس يوم دوليّ لمناهضة التجارب النوويّة يقع في اليوم التاسع والعشرين من شهر آب، حيث يتمّ التركيز على منع هذه التجارب في أعماق البحار والمحيطات وفي باطن الارض والغلاف الجوي أيضاً. وآخر تجربة نوويّة أجريت كانت على يد كوريا الشماليّة سنة 2013.
وعلى رغم هاتين المعاهدتين ، هنالك ما لا يقل عن 15000 سلاح نووي في عالم اليوم. ما يعني أنّ الأهداف لا زالت بعيدة من التحقّق. فالسلاح النوويّ هو الذي يحدّد اليوم التوازنات الدوليّة وخريطة توزيع القوى عبر القارّات. ويبدو أنّ انتهاء الحرب الباردة لم يؤتِ ثماراً كانت مرجوّة خصوصاً على مستوى الحدّ من الانتشار النووي بعد سقوط أحد القطبين السبّاقين في تلك التجارب. فالوصول الى التكنولوجيا النوويّة أكانت انشطاريّة أو انصهاريّة أصبح أسهل من ذي قبل، خصوصاً بعد توفّر الاموال والمعدّات والعلماء للانطلاق بتلك المشاريع.
ومن ناحية أخرى، يعتبر دخول دول إقليميّة على خط انتاج الطاقة النوويّة ذا نتائج خطرة على العالم أيضاً لناحية نشوب حرب نوويّة. فصحيح أنّ أزمات كأزمة خليج الخنازير وأزمة حرب 73 بما تعيدان للاذهان من تلويح باستخدام السلاح النوويّ، غير مرشّحة بقوّة كي تتكرّر اليوم، إلّا أنّ حروباً نوويّة على مستوى إقليمي غير مستبعدة بشكل نهائي. فإسرائيل وباكستان والهند تملك ما يكفي من الرؤوس النوويّة كي تشكّل خطراً على جيرانها. وسينتظر العالم لسنوات قبل أن يتأكّد من سلميّة برنامج إيران النوويّ. أمّا كوريا الشماليّة فلا يخفى خطرها على محيطها الاقليمي خصوصاً أنّها انسحبت من المعاهدة منذ 2003.
رادع
من مشاكل النظام العالمي الحالي أنّه يتجه الى الفوضويّة، ما يعني أنّه لا يستطيع تشكيل رادع فعلي لتوسّع الانتشار النووي. فإذا تمّ الأخذ بالارهاب كمثل عن قضيّة ملحّة تشكّل خطراً داهماً على معظم دول العالم، سيُلاحظ أنّ معالجته لا تتمتّع بإرادة موحّدة في مكافحته بسبب غياب الرؤية المشتركة لأسبابه وأنواعه والتحالفات المفترضة لمواجهته. ولهذا ستكون صياغة خطّة موحّدة لتطبيق جاد وكامل لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النوويّة- في الوقت الحالي على الاقل – من عالم اليوتوبيا.
لا بل على العكس من ذلك تماماً، ستواجه الدول الكبرى شكوكاً جدّيّة في مدى التزام القوى الاخرى بالتخلّص من اسلحتها النوويّة في حال تنازلت هي أوّلاً عن ترسانتها التي لم تعد تعتبر ترفاً، بقدر ما تعبّر عن أمن وفخر قوميّين.
لذلك يبقى السؤال الأهم غير مرتبط بمآل السلاح النوويّ في حيازة الدول أكان نظام الحكم فيها ديمقراطيّاً أم إستبداديّاً. بل هو مرتبط بمسألة شائكة طرحت منذ خمس وعشرين سنة ويعاد طرحها اليوم، ربّما بشكل أكثر إلحاحاً:
هل يستطيع العالم إبعاد الاسلحة النوويّة عن التنظيمات الارهابيّة قبل منعها عن الدول وحكوماتها الشرعيّة؟
صحيفة النهار الللبنانية