تظاهرات 11/11 في مصر: قليل من التفاعل الجماهيري خارج أسوار “السوشال ميديا”
تبدّلت الأمور كثيراً في مصر على مدار العقد الماضي، ولم يعد اهتمام العامة بالأمور السياسية كما كانت الحال خلال 2011 و2012 و2013، وأصبحت الحركات السياسية التي تصدّرت المشهد خلال 2011 منزوعة التأثير في الداخل أو مغردة خارج الحدود.
انتشرت طوال الأسابيع الماضية دعوات للخروج إلى الميادين العامة والشوارع الرئيسية في القاهرة وباقي المحافظات، بهدف الاشتراك في التظاهرات المناهضة لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وذلك يوم الجمعة 11 تشرين الثاني/نوفمبر.
جاءت الاستجابة الشعبية للدعوات مخيّبة لآمال المعارضين، إذ خلت العاصمة من أي مظاهر احتجاجية، ومرّ اليوم بصورة طبيعية، إلى الحد الذي منح مؤيدي الدولة المصرية ثقة مضاعفة، ودفعهم إلى الحديث عن “هزيمة جديدة” للمعارضة أمام “صلابة فريدة” للنظام.
أغلب الداعين إلى الاحتجاجات كانوا ينتمون إلى دوائر جماعة الإخوان المسلمين، ويعملون عبر منصات إعلامية تبثّ من خارج الأراضي المصرية. وقد اعتمدوا على مواقع التواصل الاجتماعي لإيصال أصواتهم إلى الشارع المصري، واستخدموا في سبيل ذلك وسوماً وفيديوهات تعبيرية، استهدفوا من خلالها إحداث تأثير مباشر في المواطنين.
لم تكن ساحات “السوشال ميديا” حكراً على دعاة التظاهر، إذ سعى مؤيدو النظام المصري إلى التأكيد أنَّ رموز المعارضة عموماً، وجماعة الإخوان بشكل خاص، لم يعودوا قادرين على تحريك الشارع بعد التجربة السياسية التي اختبرها المصريون خلال العقد الماضي.
وبناءً عليه، تحولت صفحات “فيسبوك” و”تويتر” إلى ميدان حرب دعائية إلكترونية، وانقسم المهتمون بالمجال العام بين الفريقين أو اختاروا فسطاطاً ثالثاً يتوسّط الفريقين أو ينكرهما معاً.
خلال الشهر السابق لـ”11/11″، بدا واضحاً حرص كل فريق على كسب الرأي العام الذي يشكله ناشطو مواقع التواصل لمصلحته، وامتدَّت المباراة بين الجبهتين إلى حد استخدام ما يُعرف بـ”اللجان الإلكترونية” لإغراق المنصات الاجتماعية بمحتوى دعائي كثيف يمنح المتابعين شعوراً بالقوة والجماهيرية، وبالتالي القدرة على التغيير، كما هي حال دعوات المعارضة، أو الثبات في وجه التغيير، كما هي حال خطاب النظام.
اتهامات متبادلة ومقاطع مزيفة!
خلال الحرب الدعائية التي اندلعت بين المؤيدين والمعارضين، حاول كلّ طرف توجيه الاتهامات إلى خصومه بغرض الحطّ من سلطتهم المعنوية، والإضعاف من قدرتهم على التأثير المفترض في الشارع المصري. كانت مواقع التواصل الاجتماعي هي الميدان الأول للمواجهة، لكن الفضائيات المملوكة للفريقين شهدت أيضاً جانباً من تلك الحرب.
كانت الأسلحة الدعائية لأنصار النظام معتادة إلى حد بعيد، إذ اتهموا المعارضين بأنهم يعتاشون على تمويلات من جهات خارجية، وأكدوا أنَّ دعوات التظاهر لا تستهدف الصالح العام، إنما تتاجر بآلام الناس لخدمة فصائل سياسية بعينها تريد العودة إلى حكم البلاد مرة أخرى، وأن محاولات التغيير غير المدروسة ستنتج منها فوضى أمنية وحال من عدم الاستقرار وانهيار اقتصادي، ما ينعكس سلباً على أحوال المواطنين عامة.
وركَّز الإعلام المؤيد على إنجازات البنى التحتية والطرق والجسور التي تحققت خلال الأعوام الماضية، وعلى تضحيات قوات الأمن للقضاء على الإرهاب، إضافةً إلى تنامي دور مصر الخارجي، مع الإشارة إلى “مؤتمر المناخ” الدولي الذي تستضيفه محافظة جنوب سيناء المصرية بالتزامن مع موعد التظاهرات المفترض.
أما المعارضة، فسعت إلى التركيز على الأوضاع المعيشية الصعبة للمصريين بعد الارتفاع الكبير في أسعار السلع، متهمة النظام بسوء الإدارة بالشكل الّذي راكم الديون وأدى إلى انخفاض القيمة الشرائية للجنيه.
وعكست وسوم المعارضة هجوماً واضحاً على مؤيدي السلطة السياسية في مصر، باعتبارهم منتفعين منها وغير معنيين بمصالح أغلبية المصريين من أبناء الطبقات الأقل دخلاً، كما ألقى الإعلام المعارض الضوء بتركيز أكبر على أوضاع السجون المصرية وانتهاكات حقوق الإنسان، بحسب ادعاءاتهم.
قبل الموعد المفترض للتظاهرات، نشر المعارض المصري وأحد المنتمين إلى الحركة الإسلامية، عبد الله الشريف، خرائط للأماكن التي ينبغي للمتظاهرين التجمّع فيها وتعطيل الطرق المرورية منها وإليها.
وقد حصد الفيديو الذي نشره الشريف مشاركة واسعة من جانب متابعيه عبر وسم #موعد_مع_الحرية، لكن ما إن جاء يوم الجمعة حتى تأكد فشل الدعوات، إذ بدت جميع الميادين والشوارع التي ظهرت في خرائط المعارضة خالية من الحشود أو أيّ إشارة تدل على وقوع حدث احتجاجي من أي نوع.
في الساعات الأولى بعد انتهاء الصلاة، لجأت صفحات المعارضة في مواقع التواصل إلى نشر فيديوهات لتظاهرات قديمة تم تصوير أغلبها خلال العامين الأولين من وصول الرئيس السيسي إلى الحكم. حينها، كانت القاهرة وبعض المدن الأخرى لا تزال تشهد تظاهرات وهتافات معارضة للنظام.
أعطى تداول هذه الفيديوهات انطباعاً خاطئاً بحدوث احتجاجات في الشارع المصري، فيما كانت الأمور ساكنة تماماً، الأمر الذي شجَّع الإعلام المؤيد للنظام على بثّ حملة دعائية واسعة تسخر من قدرة المعارضة على الحشد، وتتّهمها بالتدليس وعرض فيديوهات بتواريخ مزيفة.
خارج أسوار مواقع التواصل.. الأوضاع مغايرة
تبدّلت الأمور كثيراً في مصر على مدار العقد الماضي، ولم يعد اهتمام العامة بالأمور السياسية كما كانت الحال خلال أعوام 2011 و2012 و2013. بحسب خبراء اجتماعيين، كانت تلك الأعوام الثلاثة استثناءً في علاقة المصريين بالسياسة العامة، فما عدا الفترة الناصرية، حين كانت السلطة تتبنى مشروعاً قومياً واجتماعياً حماسياً، وتدفع المواطن إلى الاشتباك في القضايا العامة داخل دولته وخارجها، فإنَّ القاعدة في مصر هي “العزوف الشعبي”، ونقمة المواطن على السلطة ورجالها، والانشغال عمّا سبق بالمصالح الشخصية وتنميتها.
حين تتابع مواقع التواصل قبل 11 تشرين الثاني/نوفمبر، تتصوّر أن المصريين عموماً منقسمون بين مؤيد ومعارض بسبب الجدل المحتدم في الموقع الأكثر شعبية في مصر “فيسبوك”.
أما الحقيقة، فهي أن الأغلبية غير المسيّسة من المصريين بدت في وادٍ آخر، وكانت تتابع أخبار الاحتجاجات المفترضة بشكل محدود للغاية، وكأنها تخصّ شعباً آخر وتدور في أي بلدٍ سوى هذا البلد الذي تخطى عدد سكانه 100 مليون نسمة.
يقول المراسلون الدوليون في تقاريرهم الإخبارية إنَّ أغلب المصريين الذين يختلطون بهم في مواقع العمل والمواصلات العامة يلقون اللوم على الحكومة بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية، وينشدون إدارة مختلفة تنجح في انتشال بلادهم من الفقر وتراجع المكانة، لكنهم في الآن ذاته لا يرون إمكانية تحقيق ذلك عبر الهبوط غير المنظم إلى الميادين العامة.
كما أن أبناء الطبقة الوسطى، رغم المعاناة، ليسوا مستعدين للتضحية بأمانهم الشخصي ومدخراتهم وأملاكهم الخاصة في سبيل مصير مجهول أو لتحقيق مصالح جماعة سياسية اختبروها سابقاً في الحكم.
إلى متى تستمرّ دعوات تغيير النظام في مصر؟
على مدار الأعوام الثمانية الماضية، نجح النظام المصري في تثبيت دعائم حكمه. وقد تجاوز العديد من العثرات التي واجهته في مراحله الأولى، وأصبحت الحركات السياسية التي تصدّرت المشهد خلال عام 2011 إما منزوعة التأثير في الداخل وإما مغردة خارج الحدود. رغم هذا، لا يزال نشطاء محسوبون على جماعة الإخوان أو قريبون منها مستمرين في إطلاق دعوات لتغيير النظام من دون طائل.
يرى إعلام الدولة المصرية أنَّ أصحاب هذه الدعوات يدركون فشلهم المسبق في إحداث أي تغيير داخلي بسبب ضعف شعبيتهم، إضافة إلى قوة جهاز الأمن، لكنهم يستمرون في مساعيهم، وذلك بهدف إثبات الحضور، وإعطاء الأمل لأنصارهم، وإنهاك الدولة واستنزاف مواردها، وإعطاء صورة للرأي العام العالمي بأنَّ الأمور غير مستقرة في مصر.
من جهة أخرى، كلَّما تقدمت خطوات المصالحة بين القاهرة من جهة، والدوحة وأنقرة من جهة أخرى، تراجع الدعم الذي يتلقاه المعارضون المصريون في الخارج، وتم رفع الحماية عنهم بالشكل الذي يجعلهم مهددين بالسجن بموجب الأحكام الصادرة بحقهم من القضاء المصري.
وكانت السلطات التركية قد أوقفت بالفعل عدداً من عناصر جماعة الإخوان ومذيعيها خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ومن بينهم حسام الغمري، رئيس التحرير السابق لقناة “الشرق”؛ إحدى أكبر المنصات الإعلامية لجماعة الإخوان في الخارج.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية