المبادرات «الصديقة» تحاصر سوريا
حصار مبادرات «صديقة» لدمشق، ومؤشرات على قرب إطلاق العملية السياسية حول سوريا، برعاية روسية.
يبدو الروس أقرب إلى خط إطلاق هذه العملية من الإيرانيين، لأنهم أسرع إلى جمع الأوراق اللازمة لذلك، خلال انشغال طهران في الأشهر الأخيرة بمفاوضات الملف النووي، ما يجعل من موسكو وجهة أي عمل مشترك بشأن سوريا من الآن فصاعداً.
وقبل أن يذهب الإيرانيون نحو إطلاق مبادرتهم، التي فاجأت الكثيرين بتوقيتها، ومن دون اتصالات مسبقة مع المعنيين من الأمم المتحدة ومبعوثها ستيفان دي ميستورا، وحتى دمشق، كانت موسكو قد استقبلت في الرابع والعشرين من تموز الماضي قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني، في أول لقاء مع ضابط المواجهة الأول ضد «داعش» في العراق، والمشرف على تنسيق الدعم العسكري واللوجستي الإيراني لدمشق، والرجل الأكثر معرفة وخبرة بالوقائع الميدانية في سوريا.
وفيما يعد الإيرانيون بتسليم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مضمون مبادرتهم بعد استكمال وزير الخارجية محمد جواد ظريف مشاوراته الإقليمية والدولية، كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد أنجز خلال شهر عقد أربعة اجتماعات مع نظيره الأميركي جون كيري لبحث الملف السوري، من سوتشي إلى فيينا فالدوحة فكوالالمبور. وعمل مساعده ميخائيل بوغدانوف على استعادة الحوار مع المعارضة السورية، فتلقى «الائتلاف الوطني» المعارض دعوة للعودة إلى موسكو، والتقى بوغدانوف في القاهرة رئيس «الائتلاف» الأسبق احمد الجربا، في رسالة إلى السعوديين عن حجزهم مقعدا لحليفهم المعارض، فيما كان لافروف يلتقي معاذ الخطيب في الدوحة، الذي لم يبد حماسة للعودة إلى موسكو.
ويصل الإثنين المقبل وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى موسكو، ويليه الثلاثاء المقبل نظيره الإيراني محمد جواد ظريف. ويقول مسؤول سوري إن «أي مبادرة إيرانية لم تنضج حتى الآن، كما أن النقاش لا يزال مستمراً مع طهران حول أفكار مختلفة، ولكن لم تقدم طهران أي خطة ناجزة لوزير الخارجية السوري وليد المعلم، ونعتقد أن الإيرانيين يميلون إلى مشاركة الروس أنفسهم المبادرة التي يعملون عليها».
ويقول خبير غربي يعمل مع الروس إن «الإيرانيين يدركون أنهم لن يستطيعوا فرض وجهة نظرهم، أو أن تشكل مبادرتهم قاعدة للتفاوض في سوريا بسبب الريبة الغربية، ولكنها يمكن أن تكون جزءا من مبادرة روسية بالتأكيد». ويحتاج الإيرانيون إلى التنسيق مع الروس للتواصل مع المعارضة، التي لا يملكون معها جسور اتصال، أو رصيداً كافيا لإطلاق عملية طموحة وحاسمة.
والأرجح أن ترى «موسكو 3» النور قبل نهاية أيلول المقبل إذا ما استمر الروس في اندفاعتهم الحالية، وهو موعد حدده مساعد وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف كهدف محتمل.
كما أن القناة الروسية للتواصل بين السعودية وسوريا، تعد اختراقاً يحسب لموسكو. ورغم أن الاتصال الأول الذي قاده اللواء علي مملوك، رئيس مكتب الأمن القومي السوري، لم يثمر كثيراً، إلا أن اللقاء نفسه يمكن أن يسجل في الرصيد الروسي، لأنها المرة الأولى التي تؤدي فيها مبادرة سياسية بشأن سوريا إلى نتيجة مباشرة، وتحدث اختراقاً على هذا المستوى.
ويقول مصدر سوري إن اللقاء، الذي ظل في إطار استطلاع إمكانات التعاون، لم يذهب بعيداً، لأن السوريين لا يريدون أي تعاون بالتقسيط، وأن على السعوديين تقديم حزمة متكاملة من الإجراءات، من دون المرور بأي إجراءات لبناء الثقة، خصوصاً وقف تمويل الإرهاب. وطلب السوريون من جهتهم البدء بضبط السعوديين لزهران علوش في الغوطة الشرقية، و «جيش الإسلام» الذي تموله الرياض وتسلحه.
وفي السياق نفسه، يبدو أن الانفراج في العلاقات مع دول خليجية بدأ قبل دعوة المعلم إلى زيارة مسقط. وكان وفد إماراتي قد زار دمشق قبل أسبوع لاستعادة العلاقات بين البلدين، بعدما قام وفد فني بتفقد مبنى السفارة. وكان وفد أمني، مؤلف من مجموعة من الضباط الإماراتيين، قد زار دمشق والتقى فيها مسؤولين أمنيين لبحث استئناف التعاون.
وأظهر الرئيس الأميركي باراك أوباما المزيد من الإشارات عن «تلزيم» العملية السياسية للروس وللإيرانيين، عندما قال، في اجتماع مع صحافيين في البيت الأبيض أمس، إن «هناك نافذة فتحت قليلاً لإيجاد حل سياسي جزئياً، لأن روسيا وإيران باتتا تدركان أن الرياح لا تميل لمصلحة الرئيس السوري بشار الأسد، وهذا يعني بأنه باتت لدينا اليوم فرص أكثر لقيام محادثات جدية، مما كانت لدينا في السابق».
ويؤكد خبير غربي، مقرب من الديبلوماسية الروسية، أن أي تفاهم لم يحصل بين الأميركيين والروس حول مستقبل الرئاسة في سوريا، وأن محادثات كوالالمبور بين لافروف وكيري قد أخفقت لعدم وقوعهم على بديل محتمل، ورفض الروس البحث بأي بديل للرئيس الأسد .
وفي حصار المبادرات الصديقة، ستضطر دمشق، ربما، إلى احتواء وتخفيف أي تنازلات محتملة على حسابها. وقد أعاد السوريون، عبر المعلم، تأطير أي مبادرة تأتي على طلب تعديل الدستور، كمدخل لحل الخلافات العرقية والطائفية في سوريا. وقال المعلم إن «أي خطوة كبرى يجب أن تقرر عبر الاستفتاء الشعبي». ورغم أن هذه القاعدة قد جرى وضعها في دمشق منذ أن بدأ الحديث عن الحل السياسي في جنيف وفي مناسبات كثيرة، إلا أن التذكير بها في طهران، يحمل رسالة واضحة بأن لا محاصصة طائفية أو عرقية في سوريا .
كما أن عودة إيران لاعباً إقليمياً وضرورة تقديمها إنجازات في المشرق العربي، ما يسهم في حل الملفات السورية والعراقية، أصبحت تشكل عاملاً ضاغطاً، لإنجاز ما أمكن ديبلوماسيا في المسارات السورية أو اليمنية قبل منتصف أيلول المقبل، لمساعدة الرئيس الأميركي عندما تنفتح معركة التصويت في الكونغرس على الاتفاق. وفي إطار الأثمان السياسية المتوقعة، يقول ديبلوماسي غربي إن تجاهل أي مبادرة روسية أو إيرانية لمستقبل الأسد في سوريا، لا يعني غربيا أن بقاءه أصبح محسوما على المدى الطويل، إذ تمكن معالجة القضية في بند التعديل الدستوري، الذي سيحل مسألة بقائه بتقصير ولايته، مقابل حقه بالترشح مجدداً، علما أن جنيف لا يتضمن أي بند بتعديل الدستور.
صحيفة السفير اللبنانية