السرج الجريح
هنا سرجك يا جدّي – وقد ترجّل من صهوة التاريخ- يجترّ الصهيل ويمتطيه الغبار …وقد أو شك أن يركبه النهيق..؟!
مازال دافئاً ومسجّى فوق سجاد قيرواني عند ركن من البيت.. ينزف صمتاً ولايئنّ…رغم آثار الرصاص ووابل الأعوام..
..هذا مقام عشقك .. قبل دولة الاستقلال وبعد فوات الأوان.
جدّي .. لك الخيول ولهم الغبار…
لك الشفاه ولهم الكلام، لهم عربدة الموج ولك عمق البحار …
أيّها الذي ألقى بنسله في وجه الريح كحفنة من بذار، لما الأقلام ساعة تخونك الأوراق، لما القبور ساعة تنام على غيظها ولا يزورها أحد ولا يعتبر منها أحد. سرج جدّي سقط نحو عليائه مثل شهيد، كنت أتسلّقه وأنا أحبو…صرت أكبر وصار يرفض أن يصغر…أرجوك..لا أريدك أن تحْبُو، غالب جرحك وانطلق خلفهم مثل لعنة.
امتطت سرج جدّي أجمل الحبيبات، طاردته الدسائس ولاحقته عيون و طلقات …لكنّه لم يكن يوماً إلاّ لجدّي.
السرج يقبع الآن صامتاً في بيت الأحفاد الباحثين عن توازنهم في نشرات الأخبار، وسروج الكلام المستعار..
السرج مخطوط غادره حبره.
السرج يهمس للحصان لحظة وابل من الحقد: ” إنّ الطريق هي ما تقولها الحوافر للطريق”….والحفيد مازال يقف في ظله حافياً مثل
مهر .
الطريق – أسمعها الآن- أشتمّها وألمحها تبرق تحت هذا السرج المعشّق بخيوط الفضة .
الطريق هي ما قاله الماء لأقدام حصان طارق بن زياد، هي ما فشلت في رسمه الخطوات الخائفة …
هذا سرجك يا جدّي ما زال دافئاً مثل سرجك والوطن.
ولسوف يمتطيه قلبي الراحل خلفك إلى الغضب…كحصان عربي اشتم فجأة رائحة الصحراء .
هذا سرجك فأين حصان النزق، يقفز من أعلى أقواس النصر المزيّف ويعلّم المدن أنّ فينا سروجاً تنفضنا كالغبار ساعة سأم و… تطير.
أيّها الرجل الذي أوشك أن أكونه و يا شهيّ الكبرياء،علّمني ثانية أنّ الرجولة طيران فوق أعشاش الجبناء وأنّ النساء – كما الخيول الأصيلة – تحبّ من يحبّها من الفرسان وأنّ الأوطان – كما الأقوام- تسير خلف أسيادها وأنّ الأحفاد – كما صغار الطير- تغفو وتحلم في أحضان الأجداد ذات يوم غائم وعيون ملثّمة.
– جدّي أنا الآن خلفك …فأين أنت…!؟.
أسمع صوته يقول من خلف برودة الرخام “سر, إنّي وراءك”.