شارع محمد علي.. ذاكرة الفن وتناقض الحياة

يُوصف شارع محمد علي بالقاهرة الذي يمتدّ لمسافة كيلومترين ونصف، بأنه شارع الفنون الشعبية، ويُشتهر بأنه موطئ الراقصات، وسوق للآلات الموسيقية والأثاث.

وخلال عهد الخديوي إسماعيل في عام 1863 بدأ شق وتمهيد الشارع ضمن خطة لإعادة بناء القاهرة، لتغيير وجه العاصمة وجعلها قطعة من أوروبا كما كان يتمنى ويحلم، ويرجع تسمية الشارع إلى والي مصر محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة.

وكان الشارع مقراً وسكناً لأشهر الراقصات والفرق الموسيقية في مصر، وكان كل مَنْ يريد أن يقيم احتفالاً مثل (فرح، سبوع، طهور) يوّجه قبلته إلى شارع محمد علي لإحضار إحدى الفرق الغنائية التي يعجّ بها الشارع.

ويضمّ الشارع مجموعة من المعالم الأثرية والتاريخية، أبرزها: مدرسة السلطان حسن، مدرسة القانون واللاهوت، التي بناها السلطان حسن بين (1356- 1363)، وتضمّ أربعة إيوانات مقببة، مع واجهة تمتدّ في اتجاه القلعة وفي الاتجاه المعاكس.

وأيضاً مسجد الرفاعي الذي يعود تاريخ بنائه إلى عام 1869، وتمّ الانتهاء من تشييده في عام 1880، ويحتوي على قبر الشيخ علي الرفاعي، ويحتوي المسجد على 19 نوعاً مختلفاً من الرخام المستورد من سبع دول، فضلاً عن 44 من الأعمدة الكبرى، وسقوف خشبية ورخامية منقوشة بماء الذهب.

ويمتاز الشارع بانتشار الأدوات الموسيقية الشرقية والغربية، والأثاث، ومخازن الزنك، وورش العمل. وفي أواخر القرن التاسع عشر وحتى القرن العشرين، كان شارع محمد علي موطناً للموسيقيين البارزين في مصر والعالم العربي. ويضمّ الشارع أحد المحلات التجارية المعروفة أو ما يُطلق عليها ورشة “جميل جورج” الشهير بصناعة العود، والذي قام بصناعة أعواد موسيقية خاصة للعديد من الموسيقيين العرب والمصريين، مثل: فريد الأطرش وشفيق جلال ومحمد عبدالوهاب.

ويوجد بالشارع أيضاً متجر “صوت الموسيقى”، حيث يحتوي على عود موسيقي يعود تاريخه إلى نحو 3500 سنة إلى بلاد فارس، وهو منحوت من قطعة صلبة من الخشب، والعود المصنوع من الخشب الرقيق لم يكن معروفاً عند العرب، الذين كانوا يشتهرون خلال التاريخ بالآلات الوترية.

وفي النصف الأول من القرن الماضي تحوّل الشارع إلى سوق للبغاء، حيث رحل عنه سكانه من أبناء الطبقات الراقية والمطربين أمثال فريد الأطرش وشقيقته أسمهان اللذين جاءت شهرتهما انطلاقاً من هذا المكان، حيث يوجد “درب طياب”، وهو شارع من شوارع البغاء في القاهرة بدأت شهرته بوجود حمامات شعبية للنساء والرجال، وكانت تخصّص جلسات للسيدات نهاراً والرجال ليلاً، وكان مقصداً لجنود الاحتلال الإنجليزي لقضاء أوقات من المتعة بترخيص من نظارتي الداخلية والصحة.

وكان لعاهرات أوروبا امتيازات خاصة وحصانة من المساءلة القانونية، فلا يجوز اقتحام البوليس المصري بيت بغاء أجنبي دون موافقة القنصل. وكشف تقرير صادر في عام 1927 من لجنة الخبراء الخصوصية التابعة للأمم المتحدة، أن أعداد العاهرات الأجنبيات تزايد في مصر بشكل واضح خلال هذه الفترة، لا سيما وأن العاهرات المصريات كن يرفضن ممارسة البغاء مع الجنود الأجانب في بيوتهن ولا معهن، ولذلك كان يدخلن نساء أوروبا إلى مصر عبر البحر عن طريق ميناء الإسكندرية أو بورسعيد.

وفي عام 1916 وفقاً لوارد السجل الإحصائي للبوليس المصري، ارتفع العدد إلى 3040 امرأة، وزاد إلى 12140 امرأة في عام 1946، ولم يقتصر عمل العاهرات الأجنبيات على القاهرة فقط، بل امتدّ إلى العديد من محافظات الجمهورية.

وأشار التقرير إلى أن الأوروبيات كان عليهن طلب متزايد من قِبَل الطبقات الراقية، وأن أصحاب بيوت الدعارة كانوا يدفعون ما بين 50 و100 جنيه شهرياً للسماسرة للحصول على خدمات النساء الأجنبيات للعمل، وهو مبلغ ضخم جداً بأسعار ذلك الزمان، وكان أغلبهن من اليونانيات والفرنسيات والإيطاليات، وكان يمنع البريطانيات من مزاولة المهنة طبقاً لقوانين الإمبراطورية البريطانية في ذلك الوقت.

وكانت الحملة الفرنسية على مصر (1798 – 1801)، من أهم أسباب انتشار البغاء في مصر، وساعدت على انتشاره. وشهدت هذه التجارة انتعاشاً في عهد الاحتلال البريطاني للبلاد الذي أصدر لائحة عام 1905 عن تنظيم عمل بيوت تمنح مَنْ تمتهن البغاء ترخيصاً وتلزمها بكشف دوري.

ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى ازدحمت القاهرة بجيوش الحلفاء واشتدّت الحاجة للنساء لمجالسة الجنود وانتعشت صالات بديعة مصابني وماري منصور.

وفي الفترة ما بين 1914 إلى 1918 رصدت سجلات البوليس ارتفاعاً في عدد البارات في مصر وصل إلى 1287 باراً، وكانت تمنح التراخيص للأجانب فقط، يتركز معظمها في منطقتي الأزبكية وباب الشعرية، نظراً لأن قانون ممارسة البغاء الصادر في 1880 حدّد هذه الأماكن فقط للحصول على الترخيص.

ووفقاً لوثائق يعود تاريخها إلى أكثر من مئة عام، وهي عبارة عن دفتر تراخيص بيوت العاهرات، كانت تحمل أرقام وتواريخ إصدارها من قِبَل نظارة الداخلية، ومدون في الرخصة اسم صاحبتها وعنوانها، وكانت تكتب باللغتين العربية والإنجليزية، وكانت النسبة الأكبر من هذه الرخص تحمل أسماء نساء أجنبيات.

من وكالة الصحافة العربية

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى