تحليلات سياسيةسلايد

تقاعد «جهادي» في سوريا: «المهاجرون» يحجّون إلى أوكرانيا

بعد بضعة أشهر من اختفائه من الساحة السورية، ظَهر أخيراً قائد جماعة «أجناد القوقاز»، «عبد الحكيم الشيشاني» أو رستيم آزيف، في أوكرانيا، حيث انضمّ وجماعته إلى «الفيلق الدولي» الذي أسّسته كييف لاجتذاب المقاتلين الأجانب إلى صفّها. وإذ تتطلّع الاستخبارات الأوكرانية، من وراء نشر فيديو ترحيبي بـ«الشيشاني» إلى استقطاب نظرائه المتمترسين في سوريا، فإن خروج المزيد من هؤلاء إلى «ساحة المعركة الجديدة» يبدو محتوماً (سرتْ أنباء بالفعل عن مغادرة مُقاتلين من «جماعة الألبان» أيضاً إدلب). وممّا يعزّز تلك التوقّعات انتفاء حاجة تركيا إلى «الجهاديين» على الأراضي السورية، وتَشكّل مصلحة أكيدة لها في التخلّص منهم، فضلاً عن أن «هيئة تحرير الشام» المسيطِرة على إدلب وريفها لم توفّر وسيلة أصلاً للتخلّص منهم

فتحت الحرب في أوكرانيا الباب أمام قسْم من «الجهاديين» الذين قاتلوا في سوريا، وخصوصاً أولئك الذين قَدِموا من القوقاز وبعض دول آسيا مثل التركستان، للخروج من الأراضي السورية، ونقْل «ساحة المعركة» إلى تخوم روسيا، في ظلّ ترحيب الحكومة الأوكرانية بهم من جهة، والضغوط المتزايدة التي بدأت تمارَس عليهم بشكل يومي في سوريا من جهة أخرى. وفي وقت يَصعب فيه رصْد عمليات انتقال «الجهاديين» وإعادة تشكيلهم في أوكرانيا بدقّة، كوْن هذه العمليات تتمّ بشكل بطيء ومستتر وراء متغيّرات ميدانية عديدة، يتصدّر المشهدَ الدورُ التركي الواضح في هذا المجال – أقلّه خلال الشهور الأولى من الحرب الروسية – الأوكرانية -، ولا سيما لناحية تورّط الأجهزة الاستخباراتية في توفير طُرق انسحاب آمنة للمقاتلين من الساحة السورية – بعدما يسّرت بنفسها إدخالهم إليها -. ويندرج هذا التورّط في إطار سعي تركيا لإبعاد «الجهاديين» عن حدودها الجنوبية، خصوصاً في ظلّ انتفاء الحاجة إليهم، وتَحوّلهم من أداة في المعركة إلى قنبلة قد يُلحق انفجارها أضراراً لا يمكن تَوقّعها في الداخل التركي.

وفي السابع من الشهر الحالي، نشر الحساب الرسمي للاستخبارات الأوكرانية على «تويتر»، تسجيلاً مصوَّراً ترحيبياً بـ«عبد الحكيم الشيشاني»، الذي أصبح يقاتل، وفق التسجيل، ضمن «الفيلق الدولي» الذي أسّستْه أوكرانيا لاستقطاب مُقاتلين من خارج البلاد، والذي يضمّ أفراداً من أوروبا وآسيا، وحتى الولايات المتحدة، ويتلقّى مختلف أنواع الدعم. وجاء ظهور «الشيشاني»، الذي يبدو أن الاستخبارات الأوكرانية تسعى من خلال نشْر التسجيل الخاصّ به إلى استثماره في اجتذاب مزيد من «الجهاديين»، بعد بضعة أشهر من اختفائه، إثر معارك ومواجهات بين فصيله الذي كان يتمركز في ريف اللاذقية، و«هيئة تحرير الشام» التي قادت حملة موسَّعة ضدّ «الجهاديين» غير السوريين، بدأت نهاية عام 2021، واستمرّت حتى منتصف عام 2022 بشكلها العسكري، قبل أن تتّخذ شكلاً أمنياً في أعقاب إحكام زعيم «الهيئة»، أبو محمد الجولاني، قبضته على إدلب وريفها وصولاً إلى ريف اللاذقية.

ومع اختفاء «الشيشاني»، ظهرت تكهّنات عديدة حول مصيره، خصوصاً أنه تزامَن مع افتتاح مراكز لتجنيد «الجهاديين» وإرسالهم إلى أوكرانيا، وفق مصادر تحدّثت إلى «الأخبار» في شهر آذار من العام الماضي (راجع: انطلاق عمليات التجنيد في الشمال السوري: حيَّ على الجهاد في أوكرانيا)، غير أن مصادر «جهادية» أكّدت انتقاله وجماعته إلى تركيا فعلاً، قبل أن يَظهر في أوكرانيا. وتخلّلت دخولَ «الشيشاني» إلى الأراضي التركية بعضُ العراقيل، من بينها توقيفه بضعة أيام، بحسب المصادر نفسها، قبل أن يتمّ إخلاء سبيله، ليكمل طريقه إلى «أرض الجهاد الجديدة». ويُعتبر «الشيشاني» أحد أبرز الوجوه «الجهادية» القوقازية؛ إذ قاد في سوريا جماعة حملت اسم «أجناد القوقاز»، وقاتلت على جبهات عدّة أبرزها ريف اللاذقية، وهو يتمتّع مع جماعته بخبرة كبيرة في مجالات القتال كوْنه خاض حروباً عديدة، من بينها حرب الشيشان الثانية، قبل أن يَخرج مع مُقاتليه عام 2009 إلى تركيا كمنفًى اختياري، ويَظهر لاحقاً في سوريا.

ويَفتح ظهور «الشيشاني» في أوكرانيا الباب على مصراعَيه لاستقطاب مزيد من «الجهاديين»، وهو الهدف الذي تتطلّع الاستخبارات الأوكرانية إلى تَحقّقه. ويأتي ذلك فيما لا يزال مصير مئات «الجهاديين» الذين قامت «هيئة تحرير الشام» باعتقالهم خلال حملاتها الأمنية والعسكرية مجهولاً، الأمر الذي يرجِّح انتقالهم إلى «أرض المعركة الجديدة» في أوكرانيا، حيث يَلقون ترحيباً كبيراً – على عكْس ما يعامَلون به على الساحة السورية حالياً -، بالإضافة إلى تلقّيهم مختلف أنواع الدعم، والذي يصل إلى حدّ اعتبارهم «متطوّعين» يحظون بقبول واشنطن، ويستطيعون غسْل أنفسهم من صفة «الإرهابيين» التي رافقتْهم في سوريا.

 

صحيفة الاخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى