سيرة اليمين الإسرائيليّ بشخص بنيامين نتنياهو [5]
الأغرب في سرديّة نتنياهو، أنه يعيّر المسؤولين الأميركيين، من هيلاري كلينتون إلى باراك أوباما إلى جون كيري ومادلين أولبرايت – مع أن هؤلاء أَسدوا خدمات جلّى إلى عدوان إسرائيل واحتلالها – بسبب اختلافهم معه في تقييم حاجات إسرائيل العسكرية والأمنية. وأوباما هو الذي وقّع اتفاق مساعدات عسكرية بقيمة 38 مليار دولار لدولة إسرائيل على مدى عشر سنوات، لكن هذا لا يُحتسب رصْد أموال إضافية في الميزانيات الجديدة للكونغرس الأميركي. واتفاق الـ38 ملياراً، كان أكبر حزمة مساعدات عسكرية أميركية لإسرائيل حتى تاريخه. ولو قيلَ – كما يقول نتنياهو – إن أوباما لم يكن متعاطفاً بما يكفي مع إسرائيل، فهذا يزيد – لا يقلّل – من جرمه، لأنه فعل ما كان ملائماً سياسياً، بصرف النظر عن المبادئ أو الأخلاقيات. ويكشف نتنياهو المزيد من فضيحة التنازلات التاريخية لياسر عرفات وفريقه في مفاوضات أوسلو المخزية. فقد تعهّدت القيادة الفلسطينية بالامتناع عن التقدُّم بطلبات انتساب إلى منظمات دولية من دون موافقة إسرائيلية مُسبقة. لقد قَبل ياسر عرفات بما لم يَقبل به قائد حركة تحرّر في تاريخ معارك الاستقلال في الدول النامية. ولن يستطيع النضال الفلسطيني أن ينهض من كبوته أو سباته، من دون محاسبة جديّة لدور ياسر عرفات في قتْل النضال العسكري الفلسطيني ضدّ الاحتلال. أما مغازلة عرفات، في آخر أيّامه، لـ«شهداء الأقصى»، فلم تكن أكثر من «تحريك» (وهذه كانت كلمة مفضّلة عند عرفات) للساحة الدبلوماسية، ولـ«عملية السلام» الأميركية. أيُّ تنازل سياسي يماثل الموافقة على إعطاء العدوّ حقّ تعطيل طلبات انتساب فلسطينية سيادية في منظمات دولية؟ لم يترك عرفات تنازلاً إلّا ومنحه بالمجّان لإسرائيل. لكن ليس هذا مستغرَباً من «القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية» الذي قَبل بتعديل الميثاق الوطني الفلسطيني، مقابل أن يزوره بيل كلينتون في غزة.
ويفصِح نتنياهو عن المفهوم الحقيقي لِما يمكن أيّ حكومة إسرائيلية أن تَقبل به بالنسبة إلى «السيادة الفلسطينية» على الأراضي التي يمكن إسرائيل أن تنسحب منها مستقبلاً في أيّ اتفاقية سلام (أي نسبة صغيرة من أراضي 1967). يصرّ الجانب الإسرائيلي على الاعتراف الأميركي والفلسطيني بحقّ إسرائيل في تعقُّب مطلوبين وإرهابيين على أيّ بقعة أرض فلسطينية يمكن أن ينسحب منها الاحتلال. ويُطمئِن الجانب الأميركي، بشخص جون كيري، نتنياهو بالنسبة إلى التدريب الأميركي لأيّ قوات أمن فلسطينية. ويسخر نتنياهو من كيري الذي عرض عليه أن يجولَ سرّاً في أفغانستان كي يرى بأمّ العين الفعاليّة الكبيرة للجيش الأفغاني الذي نَعِمَ بالتدريب الأميركي المُتطوِّر. ويورد ذلك في إطار تذكير القارئ الغربي بسرعة انهيار الجيش الأفغاني، بعد انسحاب القوات الأميركية من هذا البلد، كما انهار الجيش العراقي أمام «داعش»، وهو الذي كان قد نَعمَ أيضاً بتدريب وعناية فائقَين على يد الجيش الأميركي المُحتلّ. ويقول نتنياهو إنه خاض في نقاشات مشابهة مع جورج شولتز حول الانسحاب من لبنان في الثمانينيّات، وإن شولتز طمأنه إلى أن القوات الأميركية تُشرف على تدريب الجيش اللبناني، كي يتولّى السيطرة على البلاد بحيث يحمي أمن إسرائيل. ويشير، في هذا السياق، إلى أنه حذّر شولتز من أن «قوى راديكاليّة» ستُحكم السيطرة على لبنان في ما لو انسحبت إسرائيل منه. لكنّ السؤال: لماذا لا تحتلّ إسرائيل كل العالم العربي من أجل منع القوى «الراديكاليّة» من السيطرة على مقدّراته؟ ليس في الأمر نكتة، لأن إسرائيل حاولت – وتسعى بالفعل إلى – السيطرة على كل حكومات العالم العربي لتخلق بيئة حاضنة لها ومتسامحة مع احتلالها وعدوانها. هذا هو مضمون الاتفاق الإبراهيمي، وباعتراف جارد كوشنر في كتابه (وستكون لي عودة إليه، لكن ليس في مُطوّلات، لا خوفَ).
ويتحدّث نتنياهو بصراحة شديدة عن عنصريّة إسرائيل نحو المهاجرين الأفارقة الذين صدّتهم دولته بالقوّة العسكريّة. يقول إن الكيان عانى، في عام 2013، من «تدفّق متنامٍ للمهاجرين الأفارقة غير الشرعيّين». ويزعم أن المحاكم الإسرائيلية تفرض رعاية اللاجئين – وهي التي خلقت واحدة من أكبر الجاليات اللاجئة في العالم، وقتلت كل لاجئ فلسطيني حاول أن يعود إلى أرضه بعد طرْده منها في عام 1948 -. وبعنصريّة نعْهدها لدى الصهاينة من أمثال نتنياهو، يقول الأخير عن المهاجرين الأفارقة: «الجريمة والعنف ازدهرا في الأحياء التي دخلوها». لو أن هذا الكلام صدر عن أيّ زعيم عربي، لكانت صحف الغرب قد صدرت بعناوين مثيرة عن عنصريّة زعماء عرب أو مسلمين، ولكانت الحكومة الأميركية قد دعت إلى جلسة عاجلة لـ«مجلس حقوق الإنسان» في الأمم المتحدة. لكنّ الغرب بات صريحاً جداً في عنصريّته، وهي تتجلّى في التغطية المستمرّة للحرب في أوكرانيا، كما في التغطية لأيّ جانب من جوانب الصراع العربي – الإسرائيلي. ويرسّخ نتنياهو عنصريّته عبر التذكير بأن الدولة حريصة على الحفاظ على الأكثريّة اليهوديّة، وهو ما يتطلّب فرْض الترجيح الديموغرافي على ما هو عليه. طبعاً، لا يذكر أن الأكثريّة اليهودية لم تتحقّق إلّا بطرد الشعب الفلسطيني، وبمنْع المطرودين من العودة إلى وطنهم.
يتحدّث بحنق عن الاتفاق النووي الذي توصّلت إليه إدارة أوباما مع الحكومة الإيرانية، لكنه يشوّه مضمونه ويزعم، كاذباً، بأن الاتفاق لا يتضمّن تفتيشاً للمنشآت النووية. ويستشهد نتنياهو مزهوّاً بخطبه ضدّ الاتفاق. كما يتحدّث عن مضمون محادثاته مع بوتين حول المصالح الإسرائيلية في سوريا. على القارئ العربي أن يلاحِظ تطوّر الخطاب والوقاحة الصهيونيّيْن. هذه دولة كانت تزعم أنها لا تريد غير حماية مصالحها وأمنها ضمن حدودها – أي حدود دولة فلسطين. لكنّها باتت صريحة في حديثها عن مصالحها الحيويّة في لبنان وفلسطين وسوريا وحتى في السودان، حيث دعمت وصول طغمة عسكرية عميلة إلى الحُكم. ويقول نتنياهو، إن بوتين «لا يكترث لأيّ عمل تقوم به إسرائيل في سوريا ضدّ إيران أو ضدّ حلفائها». ولا نحتاج إلى شهادة نتنياهو في ذلك. من المؤكد أن الغارات التي تخطّت المئتَين ضدّ سوريا، كانت بمباركة مباشرة من بوتين الذي يعتبره البعض في فريق الممانعة، عنصراً فيها. وحتى في دعوته اليهود الروس للهجرة إلى إسرائيل، فإن بوتين لم يكترث للطلب، حتى إن نتنياهو طلب منه المساعدة في العثور على أشلاء لجنود إسرائيليّين على الأرض السورية. وبالفعل، عثرت القوات الروسية على أشلاء لجندي إسرائيلي (من الضروري في الإعلام العربي التمنّع عن ذكر أسماء الجنود الإسرائيليين، المحتجزين أو القتلى، لأن ذلك يرسّخ المعيار العنصري الغربي والإسرائيلي الذي يذكر بالاسم والصورة «الضحيّة» الإسرائيلية، بينما يصوِّر الضحايا العرب على أنهم أكوام من دون أسماء أو وجوه أو عائلات). ولا يجد نتنياهو غضاضة في طلب المساعدة من بوتين في تعطيل قرار في مجلس الأمن ضدّ إسرائيل.
ويتوضّح في السرديّة، طبيعة الشوق الذي يكابد حكومات الدول النامية – بما فيها العربية – في السعي إلى إقامة علاقات مع إسرائيل. يذكر نتنياهو، من دون إدراك أبعاد كلامه، أن الحديث إلى كل حكومات العالم النامي يصل دائماً إلى موضوع العلاقة مع الحكومة الأميركية، إذ يسألون نتنياهو مباشرة: «هل يمكن لك أن تساعدنا في العلاقة مع الإدارة؟ مع الكونغرس؟ مع الجالية اليهودية – الأميركية؟ مع الايفانجيليين؟». ليست إسرائيل هي مقصد حكومات هذه الدول، بل أميركا، والطريق إلى أميركا أقصر وأسهل عندما يمرّ عبر إسرائيل. هذا ما عبّر عنه أنور السادات وياسر عرفات. وحتى حكومات الخليج طَرقت أبواب إسرائيل للاقتراب من أميركا أكثر، وللحصول على أسلحة أميركية أكثر تطوّراً (على رغم تقرّب حكام الإمارات الشديد لإسرائيل، إلّا أن الإدارة الأميركية لا تزال تفرض ضوابطَ وشروطاً على بيْع الأسلحة الأميركية إلى الإمارات لأن إسرائيل تحاجج أمام الإدارة بأن حكومات الخليج غير مستقرّة، ويمكن الأسلحة المتطوّرة أن تقع في أيدي أشرار – بنظر إسرائيل، طبعاً).
ويصارحنا نتنياهو عن حسن علاقته بمارك زوكربرغ، صاحب شركة «ميتا» التي تملك «فايسبوك» و«إنستغرام» (ولقد طُردتُ أنا من «فايسبوك» شرّ طردة، لكن هذا موضوع آخر لا أظنّ أنه يعنيكم). تعرّف نتنياهو إلى زوكربرغ في دافوس، وأصبح يتحادث معه في شؤون «الإجراءات الخاصّة بالإنترنت». نفهم الآن لماذا تفرض شركة «فايسبوك» ضوابط صارمة على حريّة التعبير للعرب عن فلسطين، فيما تترك الأمور على غاربها حين يتعلّق الأمر بالتعبيرات الإسرائيلية والصهيونية العالمية ضدّ العرب والمسلمين. وقبل أيّام فقط، وبإيعاز سعودي – إسرائيلي مشترك على الأرجح، سمحت شركة «ميتا» بحريّة نشْر الشعار الذي يدعو إلى موت المُرشد في إيران. لكن أيّ دعوة من قِبَل أيّ مُشترك لموت مسؤول إسرائيلي، تؤدّي إلى إقصاء أبدي عن «فايسبوك» وعن «إنستغرام».
ومرّة، سأل نتنياهو رئيس الحكومة الياباني، شنزو آبي، عن سبب قلّة الشركات اليابانية التي تستثمر في إسرائيل، فأجابه أن وزارة الخارجية تخشى من المقاطعة العربية. فقال نتنياهو: «أيّ مقاطعة؟ ألا يعرفون (في وزارة الخارجية) أن المقاطعة انتهت؟ الكثير من الدول العربية تتاجر معنا، والبعض منها من دون وسطاء». نتنياهو على حقّ. اشترطت الحكومة الأميركية على دول الخليج، في عام 1990، أن تنهي رسميّاً المقاطعة العربية لإسرائيل، في مقابل التدخّل العسكري الأميركي لمصلحة الأسرة الكويتية الحاكمة. لم يَعُد هناك مَن يلتزم بالمقاطعة، إلّا (بعض) لبنان و(بعض) سوريا والجزائر (وبعض) العراق.
ويتحدّث نتنياهو عن مذكّرة التفاهم بين الحكومتَين الأميركية والإسرائيلية (التي ورد ذكْرها أعلاه)، والتي تتعهّد فيها أميركا بدفع مبلغ 38 مليار دولار (ذكر نتنياهو خطأً أو خفراً مبلغ 36 مليار دولار) لإسرائيل في فترة عشر سنوات (من الحتمي أن إسرائيل ستزيد من طلبات التمويل الأميركي لها، بعدما وصل رقم التمويل الأميركي لأوكرانيا إلى أكثر من مئة مليار دولار). ولم ينتظر نتنياهو مجيء رئيس جديد للتفاوض حول المذكّرة هذه، لأنه كان يعلم أن أوباما، وعلى رغم عدم انسجامه معه، مغلوب على أمره، ولا يمكنه أن يقاوم مشيئة الكونغرس واللوبي الإسرائيلي حول حجم الدعم الأميركي هذا. تمّ توقيع المذكّرة في أيلول 2016، قبل أقلّ من شهرين من الانتخابات الرئاسية. ومن المرجّح أن نتنياهو أصرّ على توقيع المذكّرة قبل نهاية عهد أوباما لعلْمه بضعْف الأخير إزاء اللوبي الإسرائيلي. أراد نتنياهو أن يذلّه، وفعل ذلك بنجاح، خصوصاً عندما خطب أمام الكونغرس ضدّ الاتفاق النووي مع إيران.
ويتحدّث نتنياهو عن إعجاب حكّام العرب بصلابة معارضة إسرائيل للقدرات النووية الإيرانية، فحتى اغتيال محمود المبحوح في دبي، عام 2010، لم يُعطّل العلاقات السريّة بين نتنياهو ودول الخليج. يقول إن اغتيال المبحوح وانفضاح أمر عملاء «الموساد» (الذين خرجوا بنجاح من البلاد بإرادة من محمد بن زايد الذي يضع التحالف بينه وبين إسرائيل في رأس أولويّات سياسته الخارجية) أحرجا حكومة الإمارات. كان الاتفاق بين محمد بن زايد ونتنياهو أن يقوم فريق الاغتيال بالعمليّة من دون ضجيج أو افتضاح أمر. وفضْح صور عملاء «الموساد» كان بسبب عدم التنسيق، على الغالب، بين ابن زايد ومحمد بن راشد. لكنهما سارعا إلى لفلفة الموضوع، ومنعا قائد شرطة دبي من الحديث عن الموضوع بعدما نال بعضاً من شعبيّة عندما نشر صور عملاء «الموساد». ولعب توني بلير، الذي كنز الملايين من خلال علاقات «البزنس» التي أقامها في الخليج، دوراً كبيراً في التقارب بين دول الخليج وإسرائيل. ويبدو أن حكّام الخليج سعوا إلى لقاء نتنياهو أكثر ممّا سعى إليه الأخير. ويقول إن بلير مارس ضغطاً من أجل تحقيق اللقاء مع حكّام الخليج. وبواسطته، التقى مستشار نتنياهو، إسحاق مولشو، مع ممثّلين لحكّام «رئيسيّين» في الخليج بين عامي 2016 و2018، وحصل لقاء مباشر مع ابن زايد و«قادة آخرين». «القادة الآخرون» هو الاسم الكودي لمحمد بن سلمان. وحصلت اللقاءات في قبرص وفلسطين المحتلّة، وأدّى ذلك إلى اتصالات هاتفيّة بين نتنياهو وحكّام الخليج.
وعقد نتنياهو اجتماعات في الخليج عدّة مرّات. وفي أحدها، حطّت طوّافة تحمل رئيس الحكومة الإسرائيلية على متن يخت في البحر الأحمر. ووجد نتنياهو الحكام العرب أذكياء وحاذقين – لكنّ العربي الذكي والحضاري، بحسب المعايير الصهيونية، هو الذي يعتنق الصهيونيّة ويذمّ قضيّة الشعب الفلسطيني. وهو تبادل الحديث مع هؤلاء الزعماء «العرب»، واتّفقوا جميعاً على أنهم غير راضين على الليْن الأميركي إزاء التعاطي مع إيران. هؤلاء الأشاوس لا يقبلون بغير الحرب الضروس لإسقاط النظام الإيراني واحترام حقّ إسرائيل باحتكار القوة الاستراتيجية في كل منطقة الشرق الأوسط. هذا هو مفهوم العروبة الجديدة التي ينشرها النظامان السعودي والإماراتي، ويصرّان على تعميمها في لبنان. من هنا، يمكن فهْم سبب حماسة كل عملاء إسرائيل في لبنان – هؤلاء الذين كانوا يذمّون العنصر العربي ويربطون الحضارة العربية بالجمال والصحارى حصراً – بالمفهوم الجديد للعروبة. واتفق المجتمعون على التعاون في «المجالات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسيّة». هذا هو الدور الحالي لـ«جامعة الدول العربية»، ولا يمكن أن يُحسن إدارة الدور الجديد أكثر من أحمد أبو الغيط، الذي لا تزال صورته متأبطاً تزيفي ليفني تختصر كل مسيرته الدبلوماسيّة. وصارح الزعماء العرب العروبيّون، نتنياهو بأن خطابه أمام الكونغرس الأميركي في رفْض الاتفاق النووي، كان السبب المحوري في جعْلهم توّاقين لتقوية العلاقة مع إسرائيل (استعمل نتنياهو كلمة «تقوية العلاقة» في اعتراف بتاريخ أطول من العلاقة السريّة بين إسرائيل وأنظمة الخليج، خصوصاً السعودية والإمارات). وينسب نتنياهو فضل «اتفاقات إبراهيم» إلى نفسه، إذ يقول إن ذلك اللقاء (على متن يخت محمد بن سلمان في البحر الأحمر – هو لا يذكر محمد بن سلمان بالاسم حمايةً له لكن ليس في الأمر حزّورة عويصة) بنى أسس الاتفاقات التي أشرف عليها جارد كوشنر في ما بعد.
ينتعش نتنياهو في الحديث عن دونالد ترامب. يقول إنه لقيَ من الترحاب في البيت الأبيض ما لم يلقه في أيّ إدارة من قبل. تركّز الحديث مع ترامب على الخطر الإيراني. سأله الأخير عن إيران: «لماذا لم تقصفهم؟»، فأجابه نتنياهو: «لأنه لم تكن لي أكثرية الأصوات آنذاك، لكنه يبقى خياراً، إلى جانب أمور أخرى». الجواب، طبعاً، كان كاذباً. السبب في تمنّع إسرائيل عن قصف إيران من قَبل يعود إلى: 1) عدم القبول الأميركي. ويعترف جورج دبليو بوش بأن الحكومة الإسرائيلية طلبت موافقة أميركية، لكنه لم يمنحها. وكان أوباما معارضاً للضربة الإسرائيلية أيضاً. 2) خافت الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية من عواقب الضربة، ولم تعطِ موافقة. 3) إسرائيل تخاف، ولا تستطيع أن تسيطر كليّاً على مضاعفات أيّ ضربة إسرائيلية ضدّ إيران. حرب تموز غيّرت الكثير من المعادلات والحسابات الإسرائيلية. الدولة التي لم تكن تخشى ضرْب ثلاث دول عربية في وقت واحد، باتت تخاف من ضرْب ميليشيا لبنانية عمادُها متطوّعون شباب في الجنوب اللبناني. وقوّة إيران العسكرية لا تُقارَن بما واجهته إسرائيل من قبل من خنوع عربي رسمي. وامتداد الردّات العسكرية على إسرائيل هو اعتبار إسرائيلي كبير. وإيران تتحفّظ في الردّ على اغتيالات أميركية وإسرائيلية، وتتحفّظ أيضاً في الردّ على عدوان إسرائيلي ضدّ قواتها وسلاحها في سوريا، لكنها لا تستطيع أن تتمنّع عن الردّ القوي على عملية عسكرية إسرائيلية ضدّ منشآتها، لأن ذلك يتسبّب في إلحاق الأذى الكبير بالحالة الاستراتيجية للنظام. لا يمكن تسويغ الإنفاق العسكري الهائل على ترسانة تقليدية معزَّزة بقدرات نوويّة إذا لم يكن هناك استعداد للردّ على عدوان إسرائيلي مباشر. وإسرائيل لا يمكن أن تستمرّ في قتال طويل الأمد، خصوصاً بوجود التهديد الصاروخي والمسيّراتي الذي أظهر فعاليته في الحرب في اليمن، وفي أوكرانيا.
(يتبع)