نشاط أميركي مكثّف شرقاً: «قسد» تنتظر هجوماً تركياً
تراجَع الحديث في الأوساط السياسية والإعلامية عن خطوات التقارب السوري ـ التركي، في ظلّ إصرار دمشق على ألّا تُقدّم سوريا للرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أيّ خدمة مجّانية يستفيد منها في الانتخابات الرئاسية التي جرى تقديم موعدها إلى شهر أيار المقبل، ورغبتها أيضاً في انتزاع تعهّد تركي بالانسحاب من المناطق المحتلّة في الشمال السوري، في خطوة تُعدّ بالنسبة إليها الأولى في المسار العملي لتنفيذ «المصالحة». وفي وقت يُتوقّع فيه أن تتمّ الاستعاضة عن اجتماع وزيرَي خارجية سوريا وتركيا، بلقاء جديد لوزيرَي دفاعهما في النصف الأوّل من الشهر القادم، يزداد النشاط الروسي، بحضور وموافقة إيرانيَّين، للحفاظ على مسار «المصالحة»، وضرورة تطويره، ومنْع أيّ محاولات أميركية لإفشاله.
ومع عدم نجاح الأميركيين، حتى الآن، في استبدال مسار التقارب السوري ــــ التركي، بآخر يكون فيه التقارب تركياً مع «قسد»، لجأت واشنطن إلى خيار تعزيز نفوذها في سوريا، تحسّباً لأيّ تنسيق روسي ــــ تركي ــــ سوري ضدّ قواتها هناك، وتحديداً في الحسكة ودير الزور. وتأكيداً لهذا التوجّه، أعلن «التحالف الدولي» عن أوّل نشاط له ضدّ تنظيم «داعش»، في مدن وبلدات محافظة الرقة، وصولاً إلى صرين في ريف حلب الشرقي، حيث أطلقت «قسد» حملة لتتبّع خلايا التنظيم. ويعدّ ذلك الإعلان بمثابة إخبار باستئناف العمليات في المناطق التي كان الأميركيون قد انسحبوا منها سابقاً بعد إطلاق تركيا عملية «نبع السلام» في عام 2019، علماً أن «التحالف» استقدم أيضاً مزيداً من التعزيزات العسكرية إلى قواعده في الشرق. وإلى جانب ذلك، أظهرت واشنطن أخيراً اهتماماً متزايداً بقاعدة «التنف» في الجنوب الشرقي للبلاد، من خلال زيارة قائد قوات «التحالف»، ماثيو مكفارلين، إلى القاعدة، ولقائه قيادة «جيش سوريا الحرة». ووفق بيان مقتضب للأخير، فإنه «تمّت مناقشة أوجه التعاون والتنسيق المشترك على المستوى العسكري، وخاصة في مجال التدريب والتسليح». والظاهر أن واشنطن تريد رفْع مستوى التسليح لفصائل التنف، وخاصة بعد تعرّض القاعدة للاستهداف عدّة مرّات، وفي ظلّ مخاوف من تكرار الهجمات.
في هذا الوقت، عادت أنقرة إلى التلويح بإمكانية شنّ عملية عسكرية جديدة ضدّ «قسد» في شرق البلاد، في ظلّ حديث عن احتمال أن يمنح الأميركيون تركيا ضوءاً أخضر، أو على الأقلّ أن لا يعترضوا، على أن تكون العملية محصورة في منطقة غرب الفرات. ويتواتر ذلك الحديث، بعد زيارة وزير خارجية تركيا، مولود تشاووش أوغلو، الأخيرة لواشنطن. وتشير تقديرات المراقبين الى أن إردوغان، إنْ لم ينجح في التقدّم بقوّة في مسار استعادة العلاقات مع سوريا، فإنه سيتّجه نحو شنّ هجوم عسكري ضدّ مناطق سيطرة «قسد» في أرياف حلب، أي عين العرب أو منبج أو تلّ رفعت. ويساهم في تعزيز التقدير المذكور، بيان «مجلس الأمن القومي التركي»، والذي لم يتطرّق خلال جلسته الأخيرة إلى التقارب مع دمشق، وأكد أن «القضاء على التنظيمات الإرهابية في سوريا، سيمهّد الطريق أمام حلّ شامل في سوريا على أساس سلامة أراضيها». وسبقت بيانَ الاجتماع، تصريحات للناطق باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، قال فيها إن «العملية العسكرية التركية ضدّ التنظيمات الكردية في الشمال السوري من الممكن أن تنطلق في أي لحظة».
ويتقاطع ذلك مع تصريحات للقائد العام لـ«قسد»، مظلوم عبدي، أمس، أكّد فيها أنهم تواصلوا «مع النظام السوري واستنتجنا أن الأتراك ينوون شنّ عملية برّية في كوباني (عين العرب)»، متوقّعاً أن «يعترض الروس والنظام السوري على شنّ عملية تركية في تل رفعت ومنبج، وليس في كوباني». وأضاف عبدي إن «المحادثات بين النظام السوري وتركيا وروسيا قد تُفضي إلى مقايضة بشأن شنّ عملية عسكرية ـــ تركية في كوباني». وأشار إلى طلبهم من دمشق «التصدّي لأيّ عملية عسكرية تركية محتملة، ولم يُستجب لنا». وطالب عبدي الأميركيين بـ«فرْض عقوبات على تركيا لمنعها من شنّ عملية عسكرية جديدة»، لافتاً إلى أن فتْح الأميركيين المجال الجوّي أمام الأتراك، يعني «موافقتهم على العملية العسكرية». وخلُص إلى أن «الدعم العسكري الأميركي وحده غير كافٍ لقتال داعش، ونحتاج إلى دعم سياسي»، محذّراً من أنه «إن هاجمنا الأتراك، فلن نتمكّن من محاربة داعش مع الأميركيين».
صحيفة رأي اليوم الالكترونية