سارعت الدول العربية الإغاثة الإنسانية لسوريا فور وقوع الزلزال، وامتن السوريون للفزعة العربية كونها تؤكد حيوية العروبة الجامعة رغم كل الاختلافات السياسية. واحس الشعب السوري أن الجوهر العروبي الرابط بين الدول العربية مازال يحكم ويوجه خاصة في الكوارث والأزمات. وكان واضحا للجميع مدى لهفة العرب تجاه سوريا، ومدى انتظار و إفتخار واستقبال السوريين لهذه اللهفة الأخوية. ورغم البعد الإنساني للفزعة العربية إلا أن في جوهر هذا الحراك قلب جيوسياسي إن استثمر بشكل جيد يقلب الزلزال من كارثة مدمرة إلى فرصة للتنسيق العربي بما يحفظ الوجود العربي الحضاري..
الكوارث من أخطر التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي. وما الفزعة العربية إلا دليل على استشعار الدول العربية للخطر المهدد لأمنهم القومي و الذي أصاب طرف العروبة السوري. ويرى المدققون أن هذا الاستشعار الإنساني للأمن القومي العربي وعبر المساعدات الإنسانية ربما يؤسس لـ (مشروع مارشال العربي ) كي يسعى لإعادة الدول المركزية في الأمن القومي العربي( سوريا ولبنان) إلى حالتها الطبيعية التي تساهم في حماية الأمن القومي العربي الذي هدده الزلزال هذه المرة. ولكنه أيضا هو الأمن القومي الواقع بين مشاريع أمن قومي أخرى مختلفة وربما تكون مخالفة لمقتضياته الأمر الذي يهدده، خاصة وأن الدول العربية باتت واقعة بين مشاريع إمبراطورية تنافسها وبعضها يهددها كمشاريع الأمن القومي التركي او الإيراني او الإسرائيلي. وهذا التنافس أو التهديد يضاف إلى الأوبئة والكوارث لتشكل جميعها المبرر الضروري الحتمي للتنسيق بين الدول العربية من أجل تحقيق رؤية عملية لامنهم القومي، رؤية تحميهم من مخاطر الكوارث وتهديدات المشاريع الجيوسياسية المضادة في المنطقة. رؤية عملية تشجع وتدفع السوريين واللبنانيين إلى المصالحة الحقيقية والإصلاح والارتقاء السياسي الشامل الذي يطلق قدرات سوريا ولبنان والأردن في تفعيل الأمن القومي العربي عبر عملية التعافي الاقتصادي و مسار إصلاح ومصالحة داخلي، مما يجعل هذا المشروع (مارشال عربي) مخرجاً للانسداد والاستعصاء الخانق للقضية السورية ومشروع عربي لحل سياسي على أساس السيادة الشاملة. أي حل سياسي اقتصادي شاملاً وقادراً على تحقيق الأمن القومي العربي الحقيقي والذي بات ضرورة ملحة للدول العربية. وسوريا ولبنان محرك أساسي في استعادة قوة وفاعلية وحيويه هذا الأمن القومي الحامي العرب ودولهم.
كل ذلك يجعل التساؤل دافعاً و محرضاً : هل تتحول الفزعة العربية الإنسانية تجاه الزلزال إلى مشروع مارشال العربي تموله و تديره الدول العربية القادرة (السعودية والإمارات) وتطلق عبره استعادة العرب لقوتهم في المنطقة، ولحضورهم كقوة جيوسياسية لها دورها وفعاليتها وحقوقها تجاه الآخرين في الإقليم والعالم.