‘ميكروفون كاتم صوت’ صرخة ساخرة من واقع لبنان
‘ميكروفون كاتم صوت’ صرخة ساخرة من واقع لبنان… ما لم يخطر على بال أهل الأدب ومريديه؛ خطر على بال محمد طرزي؛ نعم. استقر قلم ابن مدينة صور هذه المرة أمام سكان القبور، ولكن أولئك الأحياء منهم، الذين يعيشون على حافة القبور، الهامشيون، والمتعبون، الذين لا مهنة لهم سوى نعي الموتى وحفر القبور والجري وراء قوت يومهم، وإذا ما حلموا بالخلاص من هذه الأرض الموات، لن يكون حلمهم سوى سراباً تذروه الرياح.
وكما قالت غادة السمان يوماً “وطننا مقبرة بميكروفونات، ليس صالحاً لغير الموت والتأبين وتطويب الخالدين وتمجيد المعبودين وكره الباقين”. يقول محمد طرزي في هذه الرواية حكاية وطن ابتلي بميكروفونات تشبه ألوان أحزابه ومذاهبهم. ميكروفونات تحاصر الشعب بأناشيد وخطابات وانتصارات وهمية. هي ميكروفونات من نوع خاص، أصواتها العالية تكتم الأفواه، وتلهج بالولاء للزعيم، ويكون على البقية الباقية من الشعب إمّا الولاء وإمّا الثورة.
عبر كوميديا سوداء حارقة ورصد واقعي إلى ما آل إليه حال اللبنانيين اليوم، يكتب محمد طرزي في “ميكرفون كاتم صوت” من خلال راوٍ عليم، واقع الانهيار الشامل الذي يمرّ بوطنه على حاضر بطله “سلطان” ومستقبله؛ ومن خلاله على الشريحة الاجتماعية التي يمثل من معارضي السلطة ومنتقديها وضحاياها. يقابل هؤلاء شريحة المتنفّذين عبّاد السلطة والمتخمين من سرقة المال العام؛ المحتكرين للدواء والكهرباء والغذاء.
وسط هذا العالم الرديء كان “سلطان” بطل هذه الحكاية يعيش وأسرته على حافة المقبرة، يساعد حفار القبور ويرشد الأحياء إلى قبور موتاهم، وينتظر الفرصة التي لن تأتي. تعلّم ودرس المحاسبة ولم يستطع الفوز بوظيفة، وعندما طرق الحب بابه صار وهماً وذكرى، وحينما ثار ورفاقه على الظلم نُعتوا بالخيانة والتآمر على الوطن؛ وكأي شاب كانت له أحلامه خارج سور المقبرة، حلم أن يكون كاتباً، حلم بالسفر، وبمستقبل آخر، ولكن في بلد تحكمه قوى الأمر الواقع سيكون للقدر رأي آخر…
بهذا الخطاب يطرق محمد طرزي منطقة لم تطرقها الرواية العربية منذ تيار الواقعية الاشتراكية، ويولي الاهتمام لهوامش تستحقّ النظر والمعالجة، ومن هنا نفهم الموجّهات الفكرية الفاعلة في تكوين الروائي محمد طرزي والكامنة وراء إبداع نصٍ روائي تنهض الحكاية فيه على معنى جذري هو عدم إحساس الإنسان بالوجود في المكان المولود فيه، إذا انتفت شروط تحقيق إنسانيته.