نوافذ

لكلّ شيءٍ ثمنه..!

لجين سليمان

لكلّ شيءٍ ثمنه..!؟…تذكّرت مقولةً أحبّها تقول: ” إذا أردتَ أن تشرق كالشمس؛ عليك أن تحترقَ مثلها”.

سألت نفسي: تُرى هل ينبغي علينا أن نحترق حقّاً كي نصل إلى ما نريد؟

أليس ثمّة طريقٌ لا تشترط علينا أن نفرشها بالتضحيات؟!

في الجوار شدّت انتباهي حديقةٌ خضراء، كانت ملأى بالورود الملوّنة من كافة الأنواع، ولكنّ أكثر ما لفتني وردةٌ جوريّة بفستان مخمليّ أحمر تجلس بشموخ فوق غصن عالٍ أشبه بعرش من عروش إحدى ملكاتِ التاريخ القدامى.

لطالما عشقت الورد الجوريّ برائحته النفّاذة التي لا يمكن لأي نوعٍ آخر – في نظري- أن ينازعه فيها، ربما كان ذلك العشق أحد الأمور التي أورثتني إياها أمي منذ الطفولة، فلم يكن هناك من فرح يضاهي فرحتها بباقة ورد جوريّ نقدّمه لها كهدية، ولمّا كان الورد مقروناً بالابتسامة العذبة على وجه أمي؛ سرى حبّه فينا- أنا وإخوتي- كما تسري الدماء في العروق.

وبسبب كل ذلك؛ اتّخذتُ قراري بأنني سأُنزِلُ تلك الملكة عن عرشها لأحظى بوسامِ شرفٍ أتقلّدُه من على ثغر ملكتي الأزلية التي لا أعترفُ بسواها.

حاولتُ بدايةً أن أمدّ يدي من بين القضبان الحديدية لألتقطها، ولكن دون جدوى، فالسياج عالٍ جداً والغصن ليس بأحنّ منه لكي يرأف بحالي ويقتربَ قليلاً !

كان عليّ أن ألتفّ إلى باب الحديقة الرئيسي الذي يقبع على الجانب الآخر من الشارع لأستطيع الدخول، وهذا الحلّ – لو تعلمون – لم يكن سهلاً عليّ إطلاقاً سيّما بأنني سأتأخّر عن موعد الحافلة، ولكن في سبيل الملكات؛ كلُّ شيءٍ يهون.

وبما أنّ الأمورَ لا تسري عادةً بالبساطة التي نتخيّلها؛ كان باب الحديقة موصداً، وكان قفلهُ الحديدي يلمع بقوّة تحت الشمس .

نفضتُ عن رأسي غبارَ خيبتي تلك، ورحتُ أفكّر بطريقة أخرى، إذ ليس من عادتي الاستسلام بسهولة، وبما أنّ موعد الحافلة قد فات؛ لم يكن لديّ ما أخسره أكثر مما خسرته.

ولأصدقكم القول؛ لم أتردد بقرار إعادة المحاولة، فلم يكن هنالك من طريق أخرى تقودني إلى المنزل سوى تلك التي تمرّ من جانب سياجٍ تعلوه وردة جورية!

عُدت إلى حيث كنت، ووقفت أحدّق في وجه الشمس العنيدة وهي تحاول عبثاً أن تصدّني عن مبتغاي، نظرت حولي فلم أجد في الشارع أحداً سوى شرطيّ بعيد يجلس في كوّته الظليلة، قلت لنفسي: ليقلْ ما يشاء، لم أهدر كل هذا الوقت لأعودَ فارغةَ الوفاض، وإن كان سيعتبر قطفَ الورودِ سرقةً؛ سأخبره بأن بتلات الزهرة الناضجة ستهترئ بعد مدة وتتساقط على الأرض ميّتةً، دون أن تُسعِدَ أحداً.

افترضت بأنّه لن يقبل بذلك، أو على الأقل لن يقوم باعتقالي لأنني سأقطفها!

صعدتُ على حافةِ السياج وأمسكتُ حديده بإحدى يديّ ثم مددت الأخرى باتجاه الوردة بأقصى ما أستطيع، لامستُ الغصن بصعوبة وحاولت ثنيه لعدة مرات ولكن دون جدوى، ولا أذكرُ سوى أنني أغمضت عينيّ وقمتُ بمحاولتي الأخيرة.

عندما نزلتُ الأرض؛ نظرت إلى كفّي اليمنى وإذ بها تطبق بقوة على غصن الوردة الجورية، ولم يطل بي الوقت لأفتح أصابعي وأعرفَ بأنني جرحت يدي بأشواكها الحادة!

صحيح بأنني شعرت بالألم حينها؛ ولكن بمجرد رؤيتي للوردة بين يديّ و تفكيري بأنني حصلت على ما أريد استطعت أن أتناسى ذلك الألم تماماً!

 

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى