تحليلات سياسيةسلايد

رئيسي في سوريا: شراكة السِّلم… شاملة

في زيارة هي الأولى من نوعها لرئيس إيراني إلى دمشق منذ عام 2010، وصل إبراهيم رئيسي، يُصاحبه وفد حكومي وعسكري وأمني إيراني واسع، ضمّ وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، ووزير الطرق وبناء المدن مهرداد بذرباش، ووزير الدفاع محمد رضا آشتياني، ووزير النفط جواد أوجي، ووزير الاتصالات عيسى زارع بور، لتوقيع سلسلة طويلة من الاتّفاقات في نطاق «خطّة التعاون الشامل الاستراتيجي طويل الأمد بين البلدَين». وبعد مراسم استقبال رسمية نظّمتها سوريا لضيفها في قصر الشعب، عقد الرئيسان الإيراني والسوري اجتماعاً مطوّلاً، تلاه البدء بتوقيع الاتفاقات، والتي تضمّنت مذكّرات تفاهم عدّة في مجالات الزراعة والنقل البرّي والبحري والخطوط الحديدية والنفط والاتصالات وغيرها. وتأتي ولادة هذه المذكّرات عقب جولات من الاجتماعات المشتركة بين أعضاء «اللجنة السورية – الإيرانية» عُقدت طيلة الأشهر الماضية، وسيكون من شأنها الانتقال بالعلاقة بين البلدَين من مستوى الشراكة السياسية والعسكرية إلى مستويات جديدة يلعب فيها الاقتصاد دوراً كبيراً.

ووصف الأسد، في كلمته الترحيبية بضيوفه، العلاقة بين البلدَين بأنها «مستقرّة وثابتة بالرغم من العواصف الشديدة السياسية والأمنية التي ضربت منطقة الشرق الأوسط وغيّرت مفاهيم ونسفت أسساً ودمّرت دولاً بأكملها»، مضيفاً أن هذه العواصف «لم تتمكن من التأثير على الرؤية الثابتة المشتركة بين بلدَينا للأحداث التي كانت تمرّ». وأشارت إلى أن سوريا وقفت مع إيران في الحرب التي شُنّت عليها عام 1980 لمدّة ثماني سنوات، فيما وقفت الأخيرة مع الأولى في الحرب المندلعة فيها منذ 12 عاماً، مُذكّراً بأن طهران قدّمت «كلّ الدعم السياسي والاقتصادي بل قدّمت دماء، والدماء هي أغلى شيء يمكن أن يقدّمه الإنسان لأخيه الإنسان». بدوره، هنّأ الرئيس الإيراني سوريا على انتصارها، معتبراً أن «العالم بأجمعه بالتأكيد يشيد بهذه المقاومة التي أظهرتموها، طبعاً من المؤكد أن الكلّ لا يَذكر ذلك على لسانه، لكن عملياً فالجميع يشيد بمقاومة سوريا». وخاطب مضيفه بالقول: «بالتأكيد، أنتم اجتزتم الأيام الصعبة والمستعصية، وآمل أن نشهد الأيام المليئة بالفرح والنجاح والتوفيق لهذا البلد، نحن خلال فترة الحرب وقفنا إلى جانبكم، وأيضاً سنقف إلى جانبكم خلال هذه الفترة، وهي فترة إعادة الإعمار، ونؤكّد على توسيع العلاقات بين البلدَين من الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية وأيّ مستوى آخر»، خاتماً حديثه بالترحّم «على أرواح شهداء محور المقاومة، وشهداء سوريا»، مستحضراً «ذكرى الشهيد الحاج الفريق قاسم سليماني وشهداء المنطقة والذين نسمّيهم بشهداء القدس». وفي تعليق له على الزيارة، قال السفير الإيراني في دمشق، حسين أكبري، عبر تغريدة له على «تويتر»، إن «زيارة رئيسي هي احتفال بانتصار المقاومة، ودلالة على السياسة المبدئية لإيران في دعم الحكومة والشعب السوري». وتابع: «نحن وقفنا في الجانب الصحيح من التاريخ، وانتصرنا معاً».

وتَخلّل الزيارةَ، التي تأتي بعد أخريَين أجراهما الأسد إلى طهران خلال الأعوام الأربعة الماضية، توقيع سلسلة اتّفاقات اقتصادية وعسكرية، تضمّنت فتح خطّ ائتمان إيراني لإمداد سوريا بالنفط. وإذ تُعدّ الأولى من نوعها منذ 13 عاماً، فهي تشكّل محطّة محورية في مسار العلاقات بين البلدَين، كونها تنتقل بها إلى مستويات أرفع من الشراكة الاقتصادية، عن طريق إنهاء بعض الإشكالات العالقة بين البلدَين، وتمهيد الطريق لإقامة مشاريع مشتركة أكبر، خصوصاً بعد نجاح الشركات الإيرانية في إقامة عدد من المشاريع في سوريا، من بينها إعادة إعمار قطاعات حيوية هامّة على رأسها الكهرباء، حيث ساهمت الخبرات الإيرانية في كسر الحصار الأميركي المفروض على هذا البلد، وتمكّنت من إعادة تأهيل محطّات عديدة، وتشييد أخرى مازال العمل جارياً فيها. وبالإضافة إلى إفساح المجال أمام الشركات الإيرانية لتطوير استثماراتها في سوريا، تأتي زيارة رئيسي لتنهي بعض المشكلات المتعلّقة بالديون، بسبب الخطّ الائتماني الإيراني، كما تهدف إلى تعزيز العلاقات التجارية بين البلدين، بمختلف الوسائل الممكنة، بما فيها «تأسيس بنك مشترك، والتعامل بالعملة الوطنية لكلّ طرف في التعاملات التجارية».

وبينما أثار الوجود الإيراني في سوريا جدلاً واسعاً خلال الأعوام الماضية، بسبب ما قيل حينها إنها مخاوف خليجية منه، ساهمت عودة العلاقات بين طهران والرياض، بوساطة صينية، في إزاحة مشكلة هذا الوجود من دائرة النقاش. ويتّسق ذلك مع مطالبة دمشق، مراراً، بعدم التدخّل في علاقاتها بالعواصم الأخرى، مقابل التزامها هي بعدم التدخّل في شؤون أيّ دولة أخرى، وهو ما سيسهم بشكل كبير في دفع العلاقات السورية – العربية للعودة إلى شكلها الطبيعي. وفي السياق، رحّب رئيسي، في مقابلته التلفزيونية التي سبقت زيارته سوريا، بعودة تلك العلاقات، معتبراً أن المواقف السابقة للدول العربية جاءت نتيجة تحريض الولايات المتحدة إيّاها، وأن تَبدّلها كان بفعل «صمود سوريا»، مطالباً بانسحاب القوات الأميركية من سوريا وإنهاء دورها التخريبي هناك. وفي المقابل، اعتبرت الخارجية الأميركية، أمس، أن «توثيق العلاقات بين إيران وسوريا ينبغي أن يكون مبعث قلق للعالم».

يُذكر أن الزيارة التي تنتهي اليوم، تضمّنت زيارات ميدانية لبعض المناطق، وجولات على عدد من المشاريع الإيرانية في سوريا، تُظهر بوضوح رغبة الطرفَين السوري والإيراني في ترسيخ صورة الزيارة، كخطوة تاريخية ترسم معالم مرحلة جديدة من التحالف بين البلدَين، تتّسق والتحوّلات التي تعيشها سوريا في الوقت الحالي.

 

صحيفة الاخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى