انطلاق سباق تسليم القمح: الحكومة لا تُعزّز أوراقها
يرتبط موسم القمح في سوريا بإنتاج المحافظات الشرقية من البلاد، وتحديداً محافظة الحسكة. ولذا، أدّى خروج مساحات واسعة من هذه المناطق عن السيطرة الحكومية، خلال سنوات الحرب، إلى تراجع حادّ في إنتاج سوريا، التي باتت تعتمد بشكل شبه تامّ على الاستيراد بالعملة الصعبة. وكانت الحسكة تنتج وحدها، قبل الحرب، ما بين 50 و55% من إنتاج البلاد من مادّة القمح، فيما يُتوقّع أن تنتج هذا العام نحو 700 ألف طنّ، وهو ما يشكّل نحو ثلث الإنتاج المتوقّع من هذا المحصول، وأكثر من ثلثَي إنتاج كامل المناطق الواقعة تحت سيطرة «الإدارة الذاتية» في مناطق شمال شرق سوريا.
وأدّى الجفاف، خلال موسمَي 2021 و2022، ومعه تقليص تركيا حصّة البلاد من مياه نهرَي الفرات ودجلة، إلى تكبّد الفلاحين ومربّي الثروة الحيوانية، خسائر فادحة في القطاعَين الزراعي والحيواني، فضلاً عن خسارة الجانب الحكومي كمّيات كبيرة من الإنتاج، كان من الممكن أن تغنيه عن الاستيراد، وتوفّر مبالغ جيّدة من القطع الأجنبي لزوم استيراد القمح. ومع تغيّر الحال هذا العام، ووفرة الأمطار التي هطلت في شهرَي آذار ونيسان، والتي بشّرت بموسم زراعي جيّد قياساً إلى الأعوام السابقة، بدأ هاجس الحفاظ على الموسم من الحرائق، والحصول على سعر تشجيعي للتسويق يعوّض جفاف العامَين الفائتَين، يطغى على اهتمامات الفلاحين.
تسعيرة حكومية مخيّبة
في منتصف الشهر الفائت، أصدرت الحكومة السورية التسعيرة الأوّلية للشراء، محدّدةً إيّاها بـ 2300 ليرة سورية لكلّ كيلوغرام من القمح، و2000 ليرة للشعير. وأثارت هذه التسعيرة المتدنّية، قياساً إلى تكاليف الإنتاج، موجة احتجاج شعبية وفلاحية، ما دفع اللجنة الاقتصادية في الحكومة إلى إعادة النظر فيها، لتقرّر رفع سعر كيلو القمح إلى 2800 ليرة سورية، أي ما يعادل 30 سنتاً. وكعادتها، انتظرت «الإدارة الذاتية» الكردية تحديد الجانب الحكومي التسعيرة النهائية، حتى تقوم هي بتسعير التسلّم بما يعادل الـ 43 سنتاً لكيلو القمح، و35 سنتاً لكيلو الشعير، وبفارق يزيد على الألف ليرة سورية للمحصولَين، وفق سعر الصرف الحالي، قبل أن تعتذر عن عدم تسلّم الشعير، وتدافع بأنها وضعت التسعيرة بما يضمن حق الفلاحين، وعدم استغلالهم من التجار. والظاهر أن «الذاتية» تعمّدت انتظار صدور التسعيرة الحكومية، حتى تضع أسعاراً تشجيعية للفلاحين، وتضمن بالتالي تسلّمها كامل محصول مناطق سيطرتها، والمقدّر بنحو ثلاثة ملايين طنّ على الأقلّ، تكفي حاجة البلاد من الدقيق الخاص بإنتاج القمح، والقمح اللازم لإنتاج البرغل والمعكرونة والسميد.
تنافس محسوم
يبدو التنافس المعتاد بين الحكومة السورية و«الذاتية» محسوماً هذا العام لمصلحة الأخيرة، لعدّة عوامل، منها فارق السعر الواضح بين التسعيرتَين، والتوقّعات بإصدار «الذاتية» تعليمات لحواجز «الأسايش» التابعة لها، بمنع الفلّاحين من التسويق إلى المراكز الحكومية، باستثناء تلك الواقعة داخل الحسكة، والتي لا يتجاوز الوارد إليها نسبة 2 إلى 3% من إجمالي الإنتاج. إلّا أنّ من الممكن أن تنقلب المعادلة لمصلحة تلك المراكز، في حال أصدرت الحكومة السورية قراراً بتعديل التسعيرة الحالية، أو تراجع سعر الصرف إلى ما دون الـ 6500 ليرة سورية. هذا بالنسبة إلى موسم القمح. أمّا بالنسبة إلى موسم الشعير، فتبدو الفرص الحكومية أعلى العام الجاري، مع امتناع «الذاتية» عن فتح مراكز خاصة بتسلّم الشعير، ووضع سعر حكومي جيّد نسبياً بعد إضافة 200 ليرة سورية تشجيعية لكلّ كيلوغرام، ليصبح السعر 2200.
الحلّ بيد الحكومة
يصف رئيس «اتحاد فلاحي محافظة الحسكة»، عبد الحميد الكركو، التسعيرة الحكومية بأنها «غير مجزية ومخيّبة لآمال الفلاحين قياساً إلى تكاليف الإنتاج»، داعياً، في تصريح إلى «الأخبار»، الحكومة، إلى «إعادة النظر فيها، ومراعاة وضع فلاحي الحسكة تحديداً، من خلال وجود طرف منافس يسعى إلى الحصول على كامل الإنتاج». ويرى الكركو أن «الفلّاحين قادرون على تجاوز العديد من الصعوبات التي منعتهم من التسويق، لكنهم يحتاجون إلى أسعار تشجيعية، لأن الموسم الزراعي هو كلّ ما يملكونه للإنفاق على عوائلهم طوال العام»، مطالباً بـ«تخصيص الحسكة بمكافأة تشجيعية إضافية، تكون حافزاً للفلاحين لتحدّي كلّ الظروف، والوصول بأقماحهم إلى المراكز الحكومية».
من جهته، يلفت فيصل، الذي يستعدّ لحصاد أكثر من ألف دونم من أرضه في أخصب المناطق إنتاجاً على طريق عام الدرباسية – عامودا، إلى أن «رغبة الفلاحين في التسويق للمراكز الحكومية انخفضت بشكل واضح، بسبب الإحباط الذي أصابهم من التسعيرة المخيّبة»، معتبراً أن «الحكومة خذلت الفلاحين، ويجب أن تعيد النظر في التسعيرة في أقرب فرصة، حتى لا تخسر موسم التسويق كاملاً في الحسكة». ويؤكد أن «المزاج العام لدى الفلاحين مؤيّد لتسليم القمح للمراكز الحكومية، ولكن يجب أن تشجّعهم الحكومة على ذلك، وتضع أسعاراً تحفّزهم على تحدّي العوائق والظروف، وتدفعهم إلى تسليم إنتاجهم إلى مراكزها».
صحيفة الاخبار اللبنانية