تركيا تفتح باب «العودة»: صيفٌ ساخن ينتظر إدلب
تركيا تفتح باب «العودة»: صيفٌ ساخن ينتظر إدلب… في تطوّر هو الأوّل من نوعه منذ ستّة أشهر، نفّذت طائرات حربية غارات على مواقع لفصائل متشدّدة في منطقة جبل الزاوية قرب طريق «M4» (حلب – اللاذقية)، في وقت شهدت فيه نقاط التماس في ريف اللاذقية قصفاً متبادلاً بالمدفعية. وجاءت الغارات الجوّية التي طاولت، وفق مصادر ميدانية، مخازن أسلحة وغرف إدارة عمليات، في وقت تنتظر فيه تركيا تحديد موعد نهائي لعقد اجتماع على مستوى «الرباعية» (سوري – تركي – روسي – إيراني) لبحث مسوّدة تقوم لجان أمنية وعسكرية بإعدادها، حتى تكون بمثابة خريطة طريق (في حال تمّ التوافق عليها) لحلحلة المشاكل المعقّدة بين البلدَين.
وبينما سجّل الميدان السياسي اشتباكاً كلامياً غير مباشر بين أنقرة ودمشق، على خلفية تمسّك الأولى بوجودها العسكري على الأراضي السورية، وإصرار الثانية على وضع جدول واضح لخروج هذه القوات، زار وزيرا دفاع وداخلية تركيا، خلوصي أكار وسليمان صويلو، مناطق في الشمال السوري، في سياق الحملة الانتخابية للرئيس التركي، رجب طيب إردوغان. ووضع صويلو الحجرَ الأساسَ لقرية سكنية في مدينة جرابلس، في ريف حلب الشمالي الشرقي، ضمن مشروع «مدن الطوب»، معلناً، في كلمة بالمناسبة، تأسيس 12 مكتباً في 12 محافظة تركية لتسهيل عودة السوريين إلى بلادهم، والسكن في تلك المدن.
وفي ما يمكن اعتباره سابقة، أشار الوزير التركي إلى أن هذه المشاريع تأتي بالتعاون مع قطر، التي تقوم عبر مؤسّسات تابعة لها بتمويلها، علماً أن أنقرة دأبت على الترويج لكون ما تقوم به في الشمال السوري مموَّلاً من المنظّمات الإنسانية الدولية ومنظّمات المجتمع المدني التركي. وتعيد مصادر سورية معارِضة، الحديث الصريح عن الدور القطري، إلى سببيَن: الأوّل، انتخابي، بهدف تقديم تطمينات للناخبين الأتراك بأن «مدن الطوب» ليست من جيوبهم؛ والثاني، رغبة قطرية واضحة في العودة إلى المشهد السوري، بعد مرحلة عملت خلالها الدوحة من خلف تركيا التي كانت تتصدّر المشهد.
وتكشف المصادر، في حديث إلى «الأخبار»، أن اجتماعاً عُقد أخيراً، ضمّ مجموعة من قادة الفصائل المنتشرة في ريف حلب، وناقش تشكيل غرفة عمليات للتصدّي لـ«هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً)، بعد تعثّر تشكيل هذه الغرفة أكثر من مرّة في أوقات سابقة، موضحةً أن هذه التحرّكات تأتي استجابة لإيعازات تركية سابقة بتشكيل هيكلية مؤسّساتية للفصائل لوقف الفوضى القائمة، وتمهيد الأرض لإعادة اللاجئين، بالإضافة إلى تشكيل هيكلية اقتصادية تقلّل، قدر الإمكان، من الاعتماد على التمويل التركي الذي بدأ ينضب. وكان الأتراك أبلغوا الفصائل، بشكل واضح، بأن عليهم أن يقتدوا بما فعله زعيم «تحرير الشام»، أبو محمد الجولاني، تحت طائلة تسليم الأخير قيادة ريف حلب، خصوصاً أنه بات يتمتّع بعلاقات وطيدة مع أطراف دولية عدّة، من بينها الولايات المتحدة التي يتبادل معها معلومات استخباراتية بشكل مستمرّ حول «جهاديين» تعمل واشنطن على التخلّص منهم، بالإضافة إلى علاقته مع قطر، ودول أخرى مِن مِثل فرنسا التي يعمل أخيراً على تفكيك آخر ما تبقّى من «جهاديّيها» الناشطين ضمن جماعة «الغرباء».
وبالعودة إلى التسخين الميداني على نقاط التماس في ريف إدلب وصولاً إلى ريف اللاذقية، والذي كان يرتبط بمحاولات الجولاني إثبات وجوده عبر عمليات خاطفة ينفّذها «انغماسيون»، فهو يأتي هذه المرّة بالتزامن مع عكوف أنقرة على إعداد مسوّدة لخريطة طريق مشتركة مع دمشق. وتتركّز تلك المسوّدة، وفق تسريبات عديدة، على الجانبَين الاقتصادي والإنساني في مرحلتها الأولى، حيث تسعى إلى فتح طرق الترانزيت، بما فيها معبر باب الهوى في إدلب، والذي يُعتبر البوّابة الكبرى لمرور الشاحنات، بالإضافة إلى تثبيت معابر دائمة لعودة السوريين إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية، سواءٌ منهم اللاجئون في تركيا، أو النازحون في المخيمات العشوائية قرب الشريط الحدودي. وينذر هذا التزامن بتحوّلات ميدانية عديدة، سواء في إدلب التي تشكّل نقطة ارتكاز الخطّة التركية، أو في ريف حلب الذي حوّله الجولاني خلال الشهور الماضية إلى حديقة خلفية قد يلجأ إليها في حال التوافق التركي – السوري على إخراجه من إدلب بشكل كامل. أمّا في حال تَقرّر نفيه منها بشكل جزئي، فقد يدفعه ذلك إلى تقوية حضوره الميداني عبر قضم ريف حلب، وصولاً إلى معبر باب السلامة قرب أعزاز، والذي يمكن أن يشكّل بديلاً من باب الهوى.