حذر احد مدراء شركات الذكاء الاصطناعي من أن هذه التقنية قد تصبح خطرا على البشرية و قال آخر أنها يمكن أن تقضي على الإنسانية إن لم تضع الحكومات والمنظمات الدولية التشريعات والقوانين المنظمة لعملها ومدى تطويرها والبحث في آلية ضبطها والسيطرة عليها.
طبعا من خطر الذكاء الاصطناعي الذي يجري التحذير منه يتعلق بمراحل تطوره القادمة أو المتفاقمة بينما هي الآن ما زالت تقنية مساعدة للإنسان وعلينا أن ننتبه إلى معنى( مساعدة) حيث أنها تقنية تخدم في توفير ما يساعد الإنسان. حتى الأعمال الآلية يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقوم بها وفق برمجة الإنسان و تحت سيطرته و توجيهه، ولا يمكن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في قضايا الفكر أو الفلسفة أو الشعر. ويكفي ان تلاحظ يا صديقي أنك إذا فتحت موقع (شات جي بي تي) أن الصفحة الأولى تخبرك ان ما يقدمه من معلومات غير موثوقة وعليك التأكد منها..
قدم أحد المحامين في أمريكا مرافعته في قضية يترافع فيها لكن القاضي وجد أن الكثير من الحجج التي ساقها المحامي في المرافعة لتأكيد وجهة نظره غير معروفة للقاضي. وعندما بحث عنها لم يجدها في كتب القانون، فاستدعى المحامي ليسأله عن مراجعه في هذه القوانين، فاعترف المحامي انه ترك موقع (تشات جي بي تي) يكتب له المرافعة. وبعد استشارة الخبراء في الذكاء الاصطناعي توصلوا إلى نتيجة مفادها أن هذه التقنية وهي تكتب المرافعة احتاجت لقوانين تدعمها وتؤيدها، وكل قانون لم تجده متوفراً قامت التقنية بتأليفه وفبركته كي تكتمل المرافعة وتقوى حجتها. وأخبرخبراء تقنية الذكاء الاصطناعي القاضي بذلك.. إن هذه الحادثة هي مثال عن إمكانية هذه التقنية على الوقوع في ما يسمونه (هلوسة الذكاء الاصطناعي)..
ما يسمونه هلوسة في صياغة هذه المرافعة هو (احتيال) أكثر مما هو (هلوسة) وإذا كانت الهلوسة شيء من انفلات العقل بشكل عشوائي، فإن الإحتيال هو إعادة تنظيم للأمور وفبركة ما يلزم منها لجعل التزوير بصورة الحقيقة ليخدم مصلحة محددة وغير شرعية. تصوروا لو اعتمد الذكاءالإصطناعي في كتابة المواد الإعلامية، وراح يهلوس أو يحتال، فكم ستغرق البشرية في محيطات من التضليل والأكاذيب والهبل والخرافة. فهل ينقصنا تضليل واحتيال حتى نخترع و نطور تقنيات أكثر احتيالا من الإنسان؟؟ وماذا يفعل إعلام الغباء المتمسك ببلادته أمام احتيال إعلام الذكاء الاصطناعي؟؟ أم أننا سنقع بين إعلام ذكي باحتياله وبين إعلام غبي في تخلفه وبلادته؟؟ وما ينطبق على القضاء والإعلام ينطبق بشكل أخطر على الاقتصاد والصناعة والزراعة والطب والفضاء والاتصالات و الجيوش والاستخبارات إلى آخره..
تحذير خبراء الذكاء الاصطناعي من مخاطره لإ ينفي أنه مفيد ومساعد للإنسانية إن ظل في الحدود المضبوطه للمساعدة والفائدة. لكنه خطير خاصة في مرحلة تطوره الثالثة التي يستغنى فيها عن الإنسان ويصبح قادراً على تطوير نفسه بنفسه و تزويد مخزونه بالمعلومات بذاته. عندها ستتفاقم إمكانية جنوحه للهلوسة أو الإحتيال الذي علاوة عن أنه جريمة، يمكن أن يرتكب كبائر تؤدي بحيويات البشر، خاصة إذا جرى اعتماده في اتخاذ قرارات عسكرية أو توجيهات استخباراتية، أو استخدم لوضع خطط للقمع والإخضاع. يصبح بذلك خطراً على بقاء البشرية وتشويها للحياة الإنسانية. كما جاء في تحذير الاب الروحي لهذه التقنية في كتاب استقالته من العمل..
ماذا لو تعلم الذكاء الاصطناعي الغباء الإنساني واعتبره الفكر الواجب اعتماده. عندها سيتفوق على الكثير من المسؤولين الأغبياء في القرارات التي سيتخذها. والمصيبة إذا اقتنع الذكاء الاصطناعي أن الاستبداد أو التفرد بالقرار والحكم هو طريق النجاح للمجتمعات عندها سيغدو أخطر من كل وسائل المستبدين المتفردين والديكتاتورين الذين يحكمون ويتحكمون. وستكون هذه التقنية السلاح الأخطر بيد هؤلاء الحكام.ألم يقل غوتيريش قبل يومين أن الذكاء الاصطناعي أخطر من السلاح النووي إذا لم يجر ضبطه.
مشكلتنا مع احتيال او هلوسة هذه التقنية أنها فائقة السرعة في فبركة الخطط، وعميقة الأثر في التنفيذ، وواسعة الأذى في النتيجة. ألم تقل إحدى أهم الدارسات للذكاء الاصطناعي أنه (يخطئ بطريقة صحيحة) ويحتال عبر دراسة السائل والسؤال لمعرفة كيف يمكنه تمرير احتياله. وإذا افترضنا أن الذكاء الاصطناعي ابن زكي للإنسانية، فهل يجوز أن نتركه يفلت في سراديب الشر والسوء والاحتيال؟؟ أويعتمد الإحتيال لتحقيق ما يريد؟؟ أو يتحول إلى سلاح بيد المستبدين الطغاة ؟؟؟ يبدو انه حتى الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى تربية عاقلة و حريصة كما يربى الولد الذكي. كما يلزمه القوانين التي تضبطته وتحدد مساراته. ثم ماذا عنا نحن العرب في كل ذلك؟؟ وكيف سنتعامل مع هذا الخطر الداهم؟؟ هل ستترك كل دولة لتواجه هذا الوافد الحامل لكل الإمكانيات المفيدة و المتضمن لمخاطر و تحديات جدية ؟؟؟ أم سيتحرك العرب كأمة أو كتلة مترابطة لإيجاد ما يمكنها من الإستفادة من هذه التقنية كما يحصنها من مخاطرها؟؟؟