«آبل» تفشل في فهم ظاهرة التطبيقات التي فجّرها جوبز
«إذا رأوا (صُنّاع الـ «تـــابـــلت» والهواتف الذكيّة) قلم رصاص، فعليهم أن يفجّروه». بتلك الكلمات الساخرة والحادة، اعتاد الراحل ستيف جوبز، المؤسّس الأسطوري لشركة «آبل» Apple الذي أطلق موجة الـ «تابلت» عبر جهاز «آي باد»، أن يعلّق على من يطلب منه إضافة قلم رصاص إلى الأجهزة الفردية الذكيّة كالـ «آي فون» والـ «آي باد».
وإلى ذلك الحدّ وصل التغافل عن تجربة جوبز الناجحة في الأجهزة، التي أطلقتها شركة «آبل» قبل أسابيع قليلة. ولم تتردّد وسائل إعلام كثيرة في إبداء البرودة حيال تلك الأجهزة، ببساطة لأنها كانت خالية من أي تجديد تقني فعليّاً. (أنظر «الحياة» في 13 أيلول/ سبتمبر 2015).
في التفاصيل، أن «آبل» أنزلت إلى الأسواق قبل أيام قليلة، ثلاثة أجهزة جديدة، يفترض أنها تمثّل أحصنة رهانها في عوالم المعلوماتيّة والاتّصالات المتطوّرة. لم يكن جهاز «آي فون 6 إس» iPhone 6 S سوى تكرار في سلسلة هواتف «آي فون». والأرجح أنه ليس جديداً تقنيّاً تزويده بشاشة تستجيب لنوعين من قوة الضغط، فتفتح شاشة ضمن الشاشة الكبيرة عند الضغط الهيّن وتنتقل إلى شاشة جديدة مع زيادة الضغط، (يسمّى ذلك «الضغط الثلاثي الأبعاد» أو «ثري دي تاتش»3D Touch)، لأن هناك شركات استخدمت تلك التقنية قبل «آبل»، كشركة «هواواي» Hauwei الصينيّة.
كذلك، لم يقدّم جهاز «آي باد برو» iPad Pro، جديداً سوى الزيادة في حجم شاشته وقلم رصاص للكتابة عليها، على رغم ما عُرِف عن جوبز من رفض لتلك الفكرة. إضافة إلى ذلك، لا يشكل قلم الكتابة على الشاشات الإلكترونيّة جديداً، بل إنه تقنية معروفة ومستخدمة من غير شركة كبرى. ولم يثبت القلم أنه يصنع فارقاً كبيراً، وفق ما بيّنت تجربة شركة «سامسونغ» Samsung في «غلاكسي نوت»Galaxy Note، بل إن «سامسونغ» لم تتردّد في تذكير «آبل» بأنها سبقتها تقنيّاً في صنع قلم للعمل على الشاشات الذكيّة. هل كان خطأ «آبل» عميقاً في «استعارة» قلم الرصاص الذي رفضه جوبز؟
هدر تجربة «آبل» في التطبيقات
الأرجح أن فشل «آبل» كان أوضح ما يكون في جهاز «تي في بوكس» TV Box الجديد المخصّص لشاشات التلفزيون. إذ لوحظ أن الجهاز يتعامل مع التطبيقات التي تجمعها شركة «آبل» في المخزن الرقمي «آبس ستور» Apps Store. لماذا لم تحاول الشركة الانفتاح على تجربة صنع التطبيقات عبر نظام التشغيل «آندرويد» Android، التي باتت ظاهرة شديدة الاتساع والانتشار عالميّاً، خصوصاً بين الأجيال الشابة من صُنّاع التطبيقات الرقميّة؟
يجد السؤال ما يبرّره في تجربة «آبل» نفسها! وعندما أطلق جوبز «آي باد»، قيل أنه أحدث ثورة في صناعة الكومبيوتر. لماذا؟ قبل هذا، كانت الصناعة تتسابق على زيادة قوّة الكومبيوتر ورقاقاته ونظم تشغيله وقدرته على التخزين وغيرها. في المقابل، كان صُنّاع الكومبيوتر يردّدون دوماً أن المستخدم غير المتخصّص الأكثر تمكّناً، لا يستعمل سوى أقل من عشرة في المئة من قدرات الكومبيوتر. لكن جوبز وضع قدرات الكومبيوتر في الصف الثاني. وقدّم عليه مفهوم أن يصنع كل شخص «كومبيوتر» يتلاءم مع حياته، خصوصاً خارج العمل. وبذا، صار «آي باد» كومبيوتر الحياة الشخصية للإنسان. وباتت قوة الكومبيوتر والرقاقة وسِعَة التخزين، أموراً من الدرجة الثانية، بالقياس إلى «التطبيقات» التي هي أدوات يستعملها كل شخص لإعطاء الـ «آي باد» الأشياء التي يريدها في حياته الشخصية.
وصارت مخازن التطبيقات (مثل «آبس ستور») أكثر أهمية حتى من نظام التشغيل الذي يحرك جهاز «آي باد». من المستطاع القول باختصار، أن «آي باد» هو الكومبيوتر الذي «يولّفه» الفرد لنفسه في صورة شخصية تتلاءم مع مسار حياته، مع استثناء مسألة العمل غالباً، بفضل «التطبيقات». وبالاستعادة أيضاً، يمكن القول أن جوبز استعمل سلاح التطبيقات في إشعال ثورة أخرى سبقت «آي باد»، ومثّلها جهاز «آي فون».
وأيضاً، قال صُنّاع الخليوي أن جوبز قلب قواعد اللعبة في «آي فون»، وأنه وضع القوة الرئيسية في الاتّصالات بيد الجمهور. حدث ذلك بفضل التطبيقات أيضاً، التي صارت هي أساس عمل الخليوي في «آي فون». وبقول آخر، أعطت التطبيقات لكل فرد القدرة على قولبة الخليوي بما يتناسب مع فكرته عن الجهاز الذي يحمله في صورة مستمرة، ويستخدمه أساساً للاتصالات، لكن ليس في صورة حصريّة. فعلى «آي فون»، من الممكن وضع كتب بأكملها، على هيئة تطبيقات. ظهرت بسرعة تطبيقات لكتب عن الطبخ والدين والرياضة والترفيه والتسالي بأنواعها، والصحة بأشكالها المختلفة وهكذا.
بقول آخر، قلب «آي فون» قواعد اللعبة بدفعه المكوّنات الأساسية للخليوي إلى الدرجة الثانية، خصوصاً أن التطوّر الرئيسي في الاتّصالات يحدث على الشبكات. وطالما يستطيع الخليوي الدخول إلى الشبكات والانسجام مع تطوّراتها، يصبح الأكثر أهمية هو التطبيقات التي يحتويها، بما فيها التطبيقات المتعلّقة بالاتّصالات نفسها.
صحيفة الحياة اللندنية