نوافذ للحوار| إبراهيم عبد المجيد: حكم الإخوان غيمة زائلة (حاوره: محمد شعير)
حاوره: محمد شعير
القاهرة صنعت مني كاتباً.. ولكن الإسكندرية «عششت» فيَ .. وأشعر بالغربة وأنا خارجها. لا يزال إبراهيم عبد المجيد يشعر بالغربة عندما يكون خارج الإسكندرية. برغم انتقاله للقاهرة منذ منتصف السبعينيات إلا أنها لا تزال بالنسبة له المدينة اللغز، لم يستطيع حتى الآن أن يمسك مفاتيحها. الإسكندرية لديه ليست مجرد مدينة.. وإنما «حالة وجودية» ليس أولها الحزن وليس آخرها الثورة. «بلورة سحرية» تعكس آلاف الصور. غادر صاحب «بيت الياسمين» مدينته روائيا ثلاث مرات.. الأولى روايته «البلدة الأخرى» التي تناولت هجرة المصريين وغربتهم في بلاد النفط والثانية في «عتبات البهجة» التي تناولت القاهرة، واخيرا «في كل اسبوع يوم جمعة».. في الروايات الثلاث كان اشبه بالزائر الغريب الذي يريد أن يتخلص من عبء إلا أنه سرعان ما يعود إلى «الإسكندرية» مرة أخرى، فهي المدينة «التي تمشي معه» فيما القاهرة مجرد «فرجة» لا يتفاعل معها برغم أنه يعيش فيها منذ أكثر من 35 سنة وولد فيها أبناؤه. وهو ما فعله مؤخراً عبر صدور أحدث رواياته «الإسكندرية في غيمة» (دار الشروق) لتكتمل بذلك ثلاثيته عن المدينة في لحظات التحول التاريخي الكبرى. رواياته هي «مرثية» للمدينة و«نشيد» في تمجيدها.. كما يقول.. وفي كل مرة يغادرها يغادر موضوعه الأثير «المكان».. كانت عتبات البهجة، وفي كل اسبوع يوم جمعة عن الزمان والبشر.
في «لا أحد ينام في الإسكندرية» كتب عبد المجيد عن المدينة العالمية التي كانت هي ملاذ الأجانب تسري فيها السماحة والحب وتتعايش فيها الأديان، هي مدينة عالمية بامتياز، تتحول إلى مدينة مصرية خالصة في «طيور العنبر» بعد حرب السويس وخروج الأجانب منها.. ثم تفقد في «الإسكندرية في غيمة» ما تبقى من مصريتها وعالميتها لتتحول إلى مدينة وهابية. كتب في هذه الرواية بدايات التحول: عن بدايات ظهور جماعات الإسلام السياسي، أول امرأة ارتدت النقاب، تحول الملاهي الى مقاه، تعطل السينمات، ولهفة الأثرياء العرب على شراء «كازينوهات» المدينة وباراتها لتناسب وضع المدينة الجديد، انتشار العشوائيات وردم بحيرة مريوط.
كل ذلك في كتابة تبتعد أن تكون «تأريخا» رغم استخدامه للوثائق لأنه: «لا يفضل أن تكون الرواية التاريخية وعاء لطرح الأفكار السياسية بل أن يأخذ القارئ في رحلة إلى تفاصيل هذا العصر»..
ولكن هل خطط عبد المجيد لكي يكون الجزء الثالث من الثلاثية مرتبطا بصعود تيارات الإسلام السياسي بعد الثورة؟ يجيب: «لم يكن ذلك في ذهني، بدأت الرواية قبل الثورة، وانجزت أكثر من نصفها تقريبا، وقامت الثورة التي لم نكن نتوقعها، فنسيت الرواية وشاركت بفاعلية في «التحرير»، عندما عدت إليها في اكتوبر 2011 لم يكن قد تبقى فيها سوى فصلين».
الثورة كانت فاعلة في العنوان «الإسكندرية في غيمة»، بطل الرواية شاعر يحب مايكوفسكي ويقرا أشعاره، وعد الثورة لدي أمل يصل إلى اليقين أن «وهبنة» الإسكندرية في طريقها الى التراجع والانحسار، ثمة مقاومة شديدة للتخلف الذي خرج من بلاعة ديكتاتورية مبارك، وخاصة بعد أن نشط المجتمع المدني بقوة ويحاول تغيير هذا التخلف.
^ هل بدأ الفساد والتخلف مع عصر مبارك.. أنت تركز في الرواية على البدايات واخترت منتصف السبعينيات تحديدا عامي 1976-1977 زمنا للرواية؟
{ بالتأكيد البداية مع السادات الذي لم يجد طريقة لمقاومة اليسار إلا عبر تدعيم اليمين والتيارات الدينية والسلفية وكانت اجهزة الدولة كلها تدعم ذلك، وقد وضعت اسم صديق لي محمد شكر في الرواية وقد حدث معه ان تدرب لمواجهة اليسار.
الثلاثية لم يكن مخطط لها، ليست ثلاثية أجيال كما فعل محفوظ من قبل، ولكن ثلاثية مكان، تظهر بعض الشخصيات عبر الأجزاء الثلاثة ولكن «من باب التشويق» كما يقول. مثل شخصية حمزة عامل السكة الحديد الذي اختطفه الانكليز في الجزء الأول، ظهرت ابنته نوال في الجزء الثاني وهى تغني وتتزوج من أحد قيادات الخلايا الشيوعية، تظهر نوال في الجزء الثالث أيضا صاحبة ملهى تهاجر إلى باريس وتستقر بعدما تقابل رشدي، وهو شخصية ظهرت ايضا في الجزء الأول.. ولكن يمكن قراءة العمل بدون هذه التفاصيل، لأن ما بينها «رابطاً خفيفاً واهياً».
^ ما الفرق بين «عتبات البهجة» التي كانت عن قاهرة السبعينيات، و«الإسكندرية في غيمة» التي تتناول الزمن ذاته ولكن في مدينة أخرى؟
{ قضيتي الرئيسية هي الاغتراب الانساني، ولدت في «كرموز» أقدم أحياء الإسكندرية، وتفتح وعيي على الغرباء الذين يفدون على الحي من الشمال والجنوب باحثين عن الرزق والعمل، وكان والدي يعمل في السكة الحديد، ويصطحبني معه أحيانا إلى بلاد بعيدة وخاصة في الصحراء فكنت لا أرى سوى الغرباء في محطات القطارات. الإنسان موجود في أعمالي ولكن لا يوجد أي رابط بينه وبين المجتمع، أبطالي موجودون ولكن قانعون بما هم فيه، ولذا كان شعار بطل «عتبات البهجة»: «الوقوف على عتبات البهجة خير من البهجة نفسها».. وعندما جئت إلى القاهرة كان لي حياة ثرية متنوعة ولذا عندما كتبت عنها كتبت بعيون شخص غريب قادم من بلد بحري، بالعكس من الإسكندرية التي تحررك، وتدعوك إلى التحرر، القاهرة بالنسبة للغريب تجبرك على العودة إلى المكان الذي جئت منه، ولذا غربتي خارج الإسكندرية احساس يلازمني دائما.
^ في رواياتك المكان للإسكندرية… بينما الزمان للقاهرة. لماذا؟
{ القاهرة لا تزال كبيرة عليًّ، وكذلك ربما ما تراه في الصغر يظل منقوشا في ذاكرتك، وأنا عندما تركت الإسكندرية كان عمري 24 عاما، أي تخطيت فترة التكوين لذا الإسكندرية «عششت» فيّ، بينما القاهرة اراها من منظور عقلي». يتذكر عبد المجيد: جاء بي إلى القاهرة نجيب محفوظ، بعد أن رأيت أن مدينتي مدينة وادعة بينما عندما جئت إلى القاهرة لأول مرة وجدت عالما مثيرا، عوالم سياسية سرية، ومنشورات ومطاردات من أجهزة الأمن، وجدت كتابا من بلاد عربية أخرى، وقرأت كتبا ممنوعة كان يمنحها لنا الحاج مدبولي.. كانت مدينة مختلفة. يضحك قبل أن يحكي حكايته مع محفوظ: «بسبب رواياته التي قرأتها في سن مبكر أحببت كتابة الرواية، وفي المرحلة الثانوية جئت إلى القاهرة وكنت في رحلة مدرسية وهربت من الرحلة أسبوعا في حي الحسين والجمالية لأشاهد شخصيات نجيب محفوظ، بحثت عن كمال عبد الجواد وياسين عائشة وخديجة حتى نفدت نقودي وكدت أموت من الجوع، فاضطررت أن أعمل صبيا في محل مجوهرات وأخذت أجرة القطار وعدت لأجد مناحة في البيت. ويضيف عبد المجيد: «أتصور أن دخول مدينة مثل الإسكندرية على أدب نجيب محفوظ ساعده كثيرا في القفزة التجريبية والنزوع الشديد بلا حدود نحو التجريب، منذ روايته «اللص والكلاب» التي تحكي حكاية المواطن السكندري محمد أمين سليمان الذي لقب بـ«السفاح»، أما رواية محفوظ «الطريق» فهي خير شاهد على دخول الفضاء السكندري في لغة الكاتب وتحريرها.
بين محفوظ وعبد المجيد صلة ادبية قوية، ليس فقط لأن عبد المجيد حصل على الجائزة التي تحمل اسم عميد الرواية العربية فقط ولكن ثمة ملامح كتابيه ايضا. منذ سنوات تحديدا عام 2000 كتب عبد المجيد قصته تحت المظلة 2000» محاكيا القصة التي تحمل العنوان ذاته لمحفوظ، والتي كتبها بعد هزيمة 67.. كان عبد المجيد يلمح إلى هزيمة اخرى يعيشها المجتمع في ذلك الوقت قبل الثورة.. يوضح: «من الطبيعي أن يعجب كاتب بعمل فيعارضه أو يلهمه أو يعيد صياغته بشكل معاصر، «تحت المظلة» كانت تعبيرا عن حالتنا في 67 بعد الهزيمة وأنا كتبت تحت المظلة 2000 لكي اعبر به عن حالتنا الآن. وهذه القصة جاءتني كحلم، استيقظت على الفور وكتبتها دفقه واحدة ولم أصححها وأرسلتها لجريدة الأهرام لتنشر.
^ نعود مرة أخرى إلى القاهرة: هل لديك احساس بالندم على الهجرة إلى القاهرة؟
{ لا، هي المدينة التي صنعت منى كاتبا، كان صعبا أن تكون كاتبا خارج القاهرة، لا يمكن ان تصنع المراسلة بالبريد في ذلك الوقت كاتبا كبيرا، سيكون بعيدا عن مركز الاتصال والتلقي والنشر.
الاسكندرية
^ في «غيمة» الإسكندرية يشير عبد المجيد إلى أن «مصر قد تكون قد انتصرت في معركة 56 ولكنها هزمت على المستوى النفسي.. وقد تكون حرب اكتوبر انتصارا يغسل عار الهزيمة في 67.. ولكن كثير من نساء مدن القناة اللائي هاجرن إلى المدن الأخرى بعد القصف يعملن في ملاهي المدينة أو في الدعارة…يشير إلى رواية إحسان عبد القدوس «الهزيمة اسمها فاطمة»، في روايته يكتب ذلك «كنوع من الأسى والحزن». اسأله متى بدأ تحول الإسكندرية..، هل سبعينيات السادات؟ يصمت قليلا.. ويجيب:
«تحولات الإسكندرية بدأت منذ 56، ولكن في تلك الفترة كانت لا تزال بقايا الفترة الليبرالية، تعلمنا على أيدي أساتذة تلقى معظمهم تعليما عاليا راقيا، كان لدينا سينما ومسرح وفرق جوالة في المدرسة..بعد 56 بدأ يظهر في المدينة نمط من البشر من قيادات يوليو، سكنوا القصور القديمة ولكن لم يكن لديهم ثقافة أصحاب هذه القصور من الباشوات، ومن هنا بدأ الإهمال، ولكن الإهمال الأكبر جاء مع السادات، بدأ «ترييف المدينة». تخيل في تلك الفترة مدينة تغلق فيها كل السينمات لأسباب دينية واقتصادية، تردم فيها بحيرة مريوط التي غنى لها محمد قنديل أغنيته الشهيرة «بين شطين وميّه» ووصفها ببراعة لورانس داريل، وردم هذه البحيرة ساهم في تغيير مناخ المدينة التي انتشرت فيها العشوائيات، لم يعد فيها شيء من المطاعم والبارات التي وصفها داريل.. كل شيء راح».
ولكن ما الفرق بين ما كتبه داريل عن السكندرية وما كتبته انت؟
{ الفرق بسيط، المصريون هم الأساس عندي، على عكس داريل، قيمة داريل في الشكل الفني الذي قدمه، وفى اللغة الشعرية وفى تحويل المدينة إلى حالة شعرية، هذه قيمته الكبرى. بالنسبة لي أنا احب كفافي أكثر من داريل الذي اعطاني إمكانية كيف أمسك بالمكان، بينما كفافي يرى الأمور ذاهبة مع السحاب، لا يوجد استقرار على أي شيء، الزمن يمسح الماضي لذا أنا أقرب إلى روحه.
^ هل كنت تقصد أثناء الكتابة التوثيق.. توثيق المكان الذي راح؟
{ هذا جانب من جوانب الرواية، ولكن انا لا أفعل ذلك بشكل مباشر من خلال الحوار، هناك في الرواية شخصية اليساري عيسي سلماوي الذي يعشق معمار الإسكندرية ويشرح لأبطال الرواية الشباب هذه العمارة، كان يلاحظ أجهزة التكييف التي تم تعليقها في العمارات، هذه المعلومات تتداخل لتعكس روح العصر.
ويتم شحن الشباب بطاقة هائلة من عشق الوطن، عن طريق نمو وعيهم الوجداني بالمدينة، وهنا تلعب شخصية رفيقهم الكهل دوراً حاسماً في هذا النمو، فهو الذي ينثر العبق الحضاري على خطواتهم ومسيرتهم، يقودهم مثلاً لزيارة مقابر الإسكندرية بأقسامها الكثيرة، من مقابر الأقباط الأرثوذكس، إلى مقابر اليونانيين والأرمن والكاثوليك والسريان، ومقابر المفكرين الأحرار. تعدد يشي بالطابع الكوزموبوليتانى وتعدد الأجناس في المدينة، وحتى عندما يلتقي «نادر» بطل الرواية مع حبيبته «يارا» يدعوها للغداء في أحد المطاعم تكون هذه الزيارة فرصة لاستعراض تاريخ المكان ورسومه الميثولوجية الإغريقية والرومانية المدهشة، وعبر لقاءات أخرى وحوارات حميمة يتم تذويب كمية ضخمة من المعلومات الأثرية والمعمارية عن مساجد الثغر وكنائسه وميادينه وحدائقه وأهم معالمه الحضارية ما كان يعنيني أثناء الكتابة هي المشاعر البشرية، لا الآراء السياسية المباشرة.
التحولات
^ في تلك الفترة كنت ترصد «القليل» من تحولات المدينة باتجاه الإسلام السياسي.. هل كنت تتوقع أن يصير هذا القليل كثيرا.. كما قال أحد ابطال الرواية؟
{ في تلك الفترة كنا نشطين سياسيا، وكان عندنا أمل في التغيير، ولكن انا اعتبر ان ما حدث عقب انتفاضة 77 الشهيرة بانتفاضة الخبز انكسار، ولعلك تلاحظ أن اخترت هذه الانتفاضة لنهاية للرواية التي بدا للجميع وقتها أنها عودة إلى الخلف. وفى تلك الفترة تبلغ الرواية ذروة احتدامها السياسي والعاطفي أيضاً، إذ تتشابك خيوط العلاقات الإنسانية النبيلة مع تطور الأحداث.
^ هل انتفاضة الخبز كانت ثورة مهيضة؟
{ لا، هي انتفاضة غلب عليها الطابع الرومانسي المصري، بمجرد أن أعلن السادات التراجع عن قراراته عاد المصريون الى بيوتهم.
^ ولكن نفس الأمر حدث في ثورة 25 يناير… عاد المتظاهرون إلى بيوتهم بعد تنحى مبارك.
{ هذا هو المؤلم، لقد تركنا الميدان في 11 فبراير، واتخوف أن يؤدي بنا ذلك أيضا إلى أن نكرر تجربة 18 و19 يناير، أنا لا ألوم احداً فقد كنت واحدا ممن غادروا الميدان، ولكن أظن أن مشكلة ثورة يناير افتقادها للقيادة، والاهتمام بالماضي لا الحاضر او المستقبل، فضلا عن رومانسية الشباب الذي قام بالثورة واهتمامه فقط بالتطهير لذا تركوا السلطة واهتموا أن يكونوا «ضميراً» أو «رد فعل» لما يحدث..وحتى الآن يكررون أنهم لا يريدون سوى «الصح» رغم أن «الصح» لا يمكن أن يأتي من الجيل السابق الذي سيظل مخلصا لطرق تفكير الماضي، هؤلاء تعودوا أن يسيروا على رصيف معين، لو تركوا السير فيه لشهر أو اثنين فلا بد أن يعودوا لطرق التفكير القديمة. كل هذا جعلنا خيارنا المفاضلة بين ديكتاتورية دينية وأخرى عسكرية..وكأنه ليس لدينا بديل آخر.
^ في روايتك ترصد البداية..هذه البداية هي التي قادتنا إلى حكم الإخوان؟
{ بالتأكيد، بين مبارك والإخوان كان هناك شبة صفقة «خذوا الشارع واتركونى أحكم». وبالفعل سيطروا على الشارع عبر تجهيل الناس وإفساد الحياة الاجتماعية، ومع الفقر والمرض بقي المناخ متاحا لهم، ولعلك تلاحظ رغم أنهم تأسسوا في 1928 إلا أن سيطرتهم لم تكن متاحة حتى ايام السبعينيات، كأن التعليم كان قويا حتى الستينيات، وكانت الحياة «حلوة».., لكن منذ السبعينيات تم اقناع الناس أن «الآخرة» أفضل من الدنيا.. وذهب الجميع إلى الآخرة، وهو الأمر الذي عطل الحياة السياسية. ولكن أظن أن الجيل الجديد نشأ في ثقافة مختلفة، وعلى اتصال بالعالم ومعرفة حقيقية بما يجرى فيه.. وهو الأمر الذي لن يجعل للإخوان أي هيمنة وسيطرة. وايامهم معدودة في الحكم.
^ لذلك ترى أن حكمهم مجرد «غيمة»؟
{ بالتأكيد، هم لا يعملون من أجل البقاء ولكن من أجل الرحيل، ما حدث من أخطاء طوال الشهور الماضية يكشف أن ذلك ليس مجرد أخطاء اجتماعية أو سياسية وإنما عمل مقصود لتخريب البلد، ومن يسعى لتخريب البلد لن يبقى فيها. أنا لا اتصور أن يخطئ شخص كل هذه الأخطاء ولا يدرك خطأه، هذه الأخطاء المقصودة تهدف إلى تقزيم مصر وتحويلها إلى بلد صغير في دائرة إسلامية كبيرة، وتصبح تابعا لا محورا. ولكن أظن بل أوقن أن الغيمة ستزول سريعا ولا أتوقع استمرار الإخوان في الحكم حتى نهاية العام، ولكن على المستوى الاجتماعي والثقافي نحتاج إلى زمن كبير لتغيير نظام التعليم والاقتصاد والسياسة، وإعادة ترتيب العشوائيات، وأظن أننا نحتاج إلى 20 عاماً لتحقق الثورة اهدافها.
^ منذ أن بدأت الكتابة برواية «في الصيف السابع والستون» وحتى «الإسكندرية في غيمة».. ما الثوابت في عالم إبراهيم عبد المجيد، وما المتغيرات؟
{ المكان لدي هو المهم، هو الذي يخلق شكل الرواية وروح الشخصيات وتصرفاتها، يجذبني البشر المهمشون المصابون بالحيرة لأن إحساسهم بالعالم أوسع. الغرباء تحديدا. وفى كل أعمالي أعشق التجريب، ما كان يعنيني ان ابقى «حرا» حتى ولو على خطأ لذا حاولت التجريب.أو اللعب الفني. «فى العشق والدم» مثلا كتبتها كجملة واحدة، و«صياد اليمام» اخترت أن اروي الماضي بصيغة المضارع، كما لم استخدم الوثائق في كتاباتي سياسيا، وإنما استخدمتها للتعبير عن روح العصر لأعطي اشارات فقط عما حدث ويحدت.
في الرواية يحكي احد شخصياتها حكاية الإسكندر الاكبر الذي اراد ان يرسم له مهندسوه تخطيط المدينة على الارض، لم يجدوا المادة الجيرية البيضاء ليخططوا بها ففعلوا ذلك بالحبوب التي راحوا ينثرونها على الارض يحددون مكان البيوت والسوق والمعبد والسور، وفجأة اقبلت الطيور من السماء وأكلت الحبوب كلها فوقف الاسكندر متشائماً ولكن رجاله قالوا له أن لا يحزن فهذا يعني ان المدينة ستكون للشعوب من كل الدنيا. الآن هل يمكن ان نقول إن الإسكندر كان محقا في تشاؤمه. اكلت طيور الصحراء المدينة؟
يضحك عبد المجيد: نحن في بلد نشأ على حوض النيل، فيه يرقص النساء والرجال ويغنون.. ومن الصعب جداً على شعب اكتشف التوحيد أن ينتهي مكونه الروحي على مكون قادم من الصحراء، ولن تستطيع تيارات الإسلام السياسي أن تنزع روح المصريين. ستعود الإسكندرية مدينة للعالم.. هكذا تبشرنا الثورة التي لا بد أن تنتصر في النهاية. حكم الإخوان – كما قلت وأكرر- مجرد غيمة، سحابة عابرة لن تدوم.