تبادل الأراضي الفلسطينية بين سورية وقطر (نقولا ناصر)
نقولا ناصر
(إن "التغييب" الحالي لسورية بالحصار والعقوبات والحرب عليها يذكر بأن التغييب المماثل للعراق كان شرطا مسبقا لإطلاق مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 ويبدو اليوم أن تدمير الدولة السورية سيكون هو المدخل لمؤتمر مدريد – 2) *
تقول وسائل الإعلام العربية السورية إن الإعلان القطري – الأمريكي في واشنطن يوم الإثنين الماضي عن موافقة جامعة الدول العربية على تعديل مبادرة السلام العربية كي تجيز من حيث المبدأ التفاوض على مبادلة أراض فلسطينية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي كشف الهدف الحقيقي لنجاح قطر في تجميد عضوية سورية في الجامعة وإصرارها على "تغيير النظام" فيها بالقوة المسلحة وإحباطها أي حل سياسي للحرب على سورية لا يكون تغيير النظام الركن الرئيسي فيه.
وفي خضم الرفض الفلسطيني الساخن للإعلان القطري – الأمريكي الذي يطغى على التغطية الإعلامية الواسعة له، وهو رفض وحّد الفصائل الفلسطينية الأعضاء وغير الأعضاء في منظمة التحرير عبر الانقسام الوطني، لا تبدو العلاقة واضحة أو قائمة بين سعي قطر الحثيث لاستئناف "عملية السلام" الفلسطينية – الإسرائيلية بصفتها رئيسة اللجنة الوزارية لمتابعة مبادرة السلام العربية وبين سعيها الحثيث لإحباط أي عملية سلام مماثلة في سورية بصفتها رئيسة اللجنة المعنية بسورية في الجامعة العربية، لكن رئاسة قطر للجنتين تجعل الرواية السورية احتمالا واقعيا بالتحليل. في مقابلته مع فضائية الميادين مساء الجمعة الماضي، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ووزير العمل الفلسطيني د. احمد المجدلاني إن زميله وزير الخارجية، د. رياض المالكي، الذي شارك في اجتماع وفد الجامعة العربية برئاسة قطر مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أبلغه أن "تبادل الأراضي" كان موضوعا "هامشيا" في الاجتماع وأن مواضيع "أخرى" بحثت فيه.
وأفصحت شبكة "ان بي سي نيوز" الأمريكية في اليوم التالي للاجتماع عما لم يفصح المجدلاني عنه وذكرت أن كيري وأعضاء الوفد العربي "بحثوا سورية يوم الإثنين" مع مبعوث الأمم المتحدة للسلام في سورية الأخضر الإبراهيمي وناقشوا تقديم "المساعدة للمعارضة السورية" وتعزيز "العناصر المعتدلة" فيها واقتبست من رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني رئيس الوفد العربي قوله " أعتقد بأننا جميعا ندعم الإعلان الذي أصدرته المعارضة السورية في اسطنبول في العشرين من نيسان / ابريل" الماضي وقالت الشبكة إنه كان يتحدث "بالنيابة عن الجامعة العربية"، وهو ما يعزز رواية الإعلام السوري عن الهدف الحقيقي للإصرار القطري على "تغيير النظام" في سورية، ويثير تساؤل المراقب عما إذا كانت قطر قد أخرجت الوفد العربي عن المهمة الموكلة إليه بقرار قمة الدوحة العربية في آذار / مارس الماضي.
إن النتيجة الواضحة للموقف القطري من سورية هي انكفاء سورية على شأنها الداخلي وتعطيل دورها العربي بشأن فلسطين بتجميد عضويتها في الجامعة، لتكون يد قطر حرّة في تنفيذ تفسير راعيها الأمريكي لمبادرة السلام العربية التي وافقت سورية عليها من دون تعديل، فالتفسير الأمريكي لهذه المبادرة يتبنى مطالب دولة الاحتلال التي رفضتها مطالبة بإجراء تعديلات عليها تفرغها من مضمونها.
ولأن فرض السلام الأمريكي – الإسرائيلي على العرب مستحيل من دون سورية، فإن إخراجها من معادلة الصراع العربي – الإسرائيلي أصبح شرطا مسبقا لفرض هذا السلام، بالحرب عليها طالما لم يكن ذلك ممكنا بإبرام معاهدة صلح لها مع دولة الاحتلال مثل المعاهدتين اللتين اخرجتا مصر والأردن من هذا الصراع، ويذكر "تغييبها" الحالي بالحصار والعقوبات والحرب عليها بأن التغييب المماثل للعراق كان شرطا مسبقا لإطلاق مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وأن تبني القمة العربية لمبادرة السلام عام 2002 مهد لاحتلال العراق ولتمريره عربيا بالمشاركة أو التواطؤ أو الإدعاء بالعجز عام 2003، ويبدو اليوم أن تدمير الدولة السورية سيكون هو المدخل لمؤتمر مدريد – 2.
صحيح أن تصريح الشيخ حمد بأن "الدول العربية مستعدة لتبادل طفيف للأراضي (الفلسطينية) بشكل متواز ومتشابه" غير ملزم للجامعة العربية ودولها، وبخاصة سورية، وبالرغم من أهمية التبادل الذي أشار إليه كون معظم المجمعات الاستيطانية اليهودية الكبرى المطلوب مبادلتها تقع في القدس حيث لا يمكن أن يعادلها "بالمثل والقيمة" أي مكان أخر فإنه صحيح كذلك أن هذا التبادل الذي وصفه ب"الطفيف" هو طفيف حقا بالمقارنة مع إجماع دول الجامعة العربية ومنها "دولة فلسطين" على تبادل فلسطين المحتلة عام 1948 بحوالي العشرين في المائة التي احتلت منها عام 1967، وصحيح أن اجتماع "دار بلير" لم يكن اتفاقية رسمية على التبادل ولا تعديلا رسميا للمبادرة العربية بل اتفاقا عليه من حيث المبدأ يتم التفاوض عليه ضمن عملية شاملة متكاملة في حال قدر للمفاوضات أن تستأنف.
لكن كيري ومسؤولة ملف المفاوضات في حكومة دولة الاحتلال تسيبي ليفني وجدا في الحضور الباهت لأمين عام الجامعة العربية د. نبيل العربي وفي المرونة السخية للأمير القطري ما شجعهما على اعتبار أن "تعديلا" قد وقع فعلا في مبادرة السلام العربية يستحق البناء عليه ليس فقط لاستئناف مسار المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية بل أيضا لفتح مسار مفاوضات عربية – إسرائيلية مباشرة لأول مرة، وعلى اعتبار أن مصادقة أي قمة عربية مقبلة على هذا التعديل هو أمر مفروغ منه في غياب سورية عن الجامعة العربية وقيادة قطر لها.
وبفاصل يومين، أكد موقع "ديبكا" الاستخباري الإسرائيلي وصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية في الثاني والرابع من هذا الشهر على التوالي أن كيري حصل على موافقة الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو على فتح "المسارين" في ذات الوقت ولم ينف لا عباس ولا نتنياهو الخبر، وان كيري يسعى حاليا إلى إقناع القادة العرب بخطته، ولا يحتاج المراقب إلى الكثير من الجهد للاستنتاج بأن الشرط المسبق لنجاح خطة كيري يقتضي "تغيير النظام" في سورية أو استسلامه أو الاستمرار في إشغاله حتى تمرير الخطة.
لقد شذ وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو عن نظرائه في الأردن والبحرين وفلسطين وعن السفير السعودي وأمين عام الجامعة العربية ممن حضروا اجتماع "دار بلير" الذين اكتفوا بما صرح به رئيس وفدهم، ليتنصل من "تبادل الأراضي" بقوله إنه "لا علاقة له" بمبادرة السلام العربية الأصلية وليعلن بأن ما يجري حاليا هو "عملية إدارة السلام" وليس "البحث عن السلام". وما كان ل"إدارة عملية السلام" هذه أن تستمر منذ عشرين عاما تقريبا لولا استمرار "تفكك" القلب العربي لمنطقة الشرق الأوسط كما قال رئيس دولة الاحتلال شمعون بيريس لبابا الفاتيكان يوم الثلاثاء الماضي، وتدمير الدولة السورية هو الحلقة الأحدث في هذا التفكيك المستمر.