منذ اكثر من سنتين يحاول الأردن لعب دور إقليمي من بوابة سوريا التي تؤثر عليه أزمتها مباشرة. وبعد ما سمي (المبادرة الأردنية) التي حصل الأردن على موافقة البيت الأبيض عليها قبل سنتين، ونسق حولها مع موسكو، استطاع أن يجمع المواقف العربية مع سوريا في اجتماع عمان الأخير الذي مهد لعودة سوريا إلى الجامعة العربية و إلى التعاون مع الدول العربية وفق مبادرة الأردن المسماة (خطوة خطوة) و المتماهية مع ما طرحه قبلها الموفد الأممي إلى سوريا (غير بيدرسون). فما فعالية الأردن الإقليمية التي تحاول عبرها المملكة الهاشمية لعب دور إقليمي مسنود دولياً و مدعوم عربياً .
بعد أن تلقف الأردن قناعة ولي العهد السعودي أن ( سياسة مقاطعة سوريا ومحاربة حكومتها لم يجد نفعا بل انعكست بالسوء على المنطقة)، وبعد أن ثبتت رؤية الإمارات بأن استمرار التعاون مع سوريا أكثر فائدة للدول العربية، وبعد ازدياد تأثر الأردن بالأزمة السورية تحركت عمان وفق مبدأ (ما لا يدرك كله، لا يترك جلّه) وإذا كانت صيغة الحل السياسي الدولية القائمة على تغيير الحكم مرفوضة من سوريا فإن التسوية الواقعية تبدأ بالخطوات الممكنة والمفيدة للمنطقة مثل التعاون مع سوريا في مكافحة المخدرات وإعادة اللاجئين يمكن أن تفتح الطريق نحو حل سياسي قابل للتطبيق أكثر من القرار 2254. وعلى هذا الأساس حصل الأردن على تفويض عربي ساعده في اكتساب الموافقة الأمريكية والتنسيق الروسي. وادى كل ذلك إلى انطلاق مسار التطبيع والتعاون العربي مع سوريا، وتقدم هذا المسار كان أيضاً نتيجة للإندفاع السعودي خاصة وأن الاستقرار في المنطقة ضروري لتحقيق رؤية ولي العهد محمد ابن سلمان2030 . فما الذي تحقق؟؟ وما هي آفاق الفعالية الأردنية في المنطقة عبر البوابة السورية؟؟؟
يشكل تداخل وتعقد القضية السورية وتورط الدول العربية ولسنوات في الحرب فيها و عليها، وتشكل المتغيرات الإقليمية والدولية، من حرب أوكرانيا إلى الاتفاق السعودي الإيراني إلى الصعود العنصري الفاشي للصهيونية الإسرائيلية، كل ذلك يجعل مسار التطبيع العربي مع سوريا مساراً يحتاج إلى عناية مستمرة و إلى معالجة المطبات أو الانعطافة الطارئة كي يستمر التقدم نحو تعاون عربي سوري أكثر جدوى وفعالية. ويبدو أن الأردن يريد استكمال ما بدأه بمبادرة الخطوة خطوة عبر الحصول على تلزيم إقليمي ودولي ليقوم برعاية مسار التطبيع و إزالة معيقات طريقه وهذا ما دفع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي وبعد زيارته الأخيرة إلى دمشق و الإتفاق على تشكيل لجنة سورية أردنية لمكافحة المخدرات ودراسة موضوع عودة اللاجئين، هذا ما دفع الصفدي إلى زيارة أنقرة والالحاح عليها لفتح الطرق التجارية من شرق سوريا إلى غربها كي تصبح الطرق من شمالها إلى جنوبها سالكة وهذا ما يفتح سوق التجارة بين تركيا ومن ورائها أوروبا إلى الأردن ومن ورائها الخليج بكل ما يعني هذا من فوائد اقتصادية لسوريا تشجيعاً لها للمضي في مسار التطبيع. كما يعود بالنفع على الأردن والخليج. كما بحث الصفدي مع حقان فيدان وزير الخارجية التركي استضافة عمان لاجتماعات ( صيغة استانا ) لتشكل استكمالاً إقليمياً لما حققه اجتماع عمان العربي في إطار التطبيع العربي مع سوريا، و لتصبح عمان ساحة إنجاز التسوية الإقليمية بمشاركة سوريا..
من الواضح أن الأردن وبعد نجاحه بالحصول على الدعم العربي والموافقة الأمريكية والتنسيق الروسي افتتح مسار تسوية القضية السورية مبتدئاً التطبيع العربي مع دمشق. ومن الواضح أيضا أن الأردن يريد تعهد رعاية مسار التسوية هذا وصيانته وازالة المعوقات من طريقه في إطار سعيها لتحقيق دور إقليمي مسنود عربياً ودولياً . وهذا ما كان واضحاً في زيارة الصفدي الأخيرة إلى دمشق وأنقرة. ويبدو أنه من الناحية العملية ينجز الأردن ما يدفع هذا المسار قدماً.. ويرى مراقبون سوريون أن الأردن مؤهل للنجاح في سعيه هذا إن لم يتورط في الإندفاع أو الحماس للقرار 2254 الذي يرى سوريون الكثيرون أنه لا يحل الازمة ولا ينجز تسويه بل يسد الطرق ويعقد المسار و يستفز رفض الحكومة السورية. لذلك لابد للأردن كي يستكمل نجاحه أن يحفز السوريين على طرح حلهم السياسي المقبول منهم والذي يلبي تطلعات المعارضة الوطنية، وربما يكون من المجدي للأردن والعرب التفاعل مع الرؤية السورية للحل السياسي القائمة على (اعتماد الارتقاء السياسي الشامل وصولا إلى مستويات أرقى من العدل والمساواة والمشاركة السياسية)..
سعي الأردن لدور إقليمي من بوابة سوريا حقق حتى الآن نتائج جيدة لصالح شعوب ودول المنطقة و لصالح الأردن أيضا. فهل ينجح الأردن في الاستمرار بتجنب ما يعيق أو يعرقل هذا المسار خاصة الرغبة الأمريكية في تغيير الحكم السوري والتي تشكل العقدة أمام استقرار المنطقة و دخولها في عالم الازدهار الذي يأمله ولي العهد السعودي عبر رؤية 2030؟؟ هل ينجح الأردن بذلك؟؟؟ سنتابع ……….