خفقة القلب (9)
الحب يأتينا نقداً ، ينزل على الإنسان فجأة فيشلّ كل عضلة فيه للحظة ، يستمر ويذوب في عينيّ وعقل وقلب من يحب ! الحب فيه الألم والحزن..هو ليس حديقة عامة ندخلها للتنزه ..نجلس فيها على أي كرسي..نتصفحه كما نتصفح جريدة ونغادر المكان ! الحب موسم للمطر والرعد والزوابع والدموع ، تحكمه الأعاصير والنشرات الجوية والعاطفية المتناقضة! الحب يشبه الثلج يظل ناصع البياض ما دام بعيداً عن أعين الناس ، ولم تطأه قدم إلا في الأحلام.
الحب أن نبقى في قلب من نحب ، لا تنتهي مدة صلاحيته في قلب من نحب طوال العمر ، يكفي أن يحبك قلب واحد كي تعيش بسعادة ! لا تخضع أمور الحب للإرادة ، ولا يستطيع العقل أن ينظمها ويديرها ، ولا يمكن لأحد أن يفلت من شباك الحب،هذا هو كل ما في الأمر، هل يوجد من يفهمني؟!
أصبح الحب عملة نادرة ، جفّت ينابيعه وروافده وشارفت بنوكه على الإفلاس. لقد نسي الناس تلك اللهفة التي كان العاشق ينتظر عشيقته ، أصبح هنالك مشاعر نخب أول ،ومشاعر بالتقسيط، ومشاعر مسحوبة الدسم ! صار الحب كلاماً وورقاً ورسائل قصيرة ، أصبح العثور على الحب النقدي ومن أول شيك، وأصبحت الشهامة والمروءة والشرف والكرامة وكل القيم الأخلاقية والإنسانية الرفيعة بضاعة قديمة ومستهلكة ومنتهية الصلاحية!
أخاف الحب وأنتظر من الحب الكثير، وأخاف أن لا يأتيني بكل ما أنتظر ، وأعلم بأن القليل من الحب كثير، وبأن القليل من الحب يرضيني ، حينما تشغل امرأة صدر انسان يشعر أن الحياة تحتضنه بحب ، وبأنه يقيم في جسد محبوبه ،وبأنه أكثر أماناً ، وبأنها تمنحه كل احتياجاته العاطفية، ويتمنى لو يصحبها معه في صحوته ومنامه ! أجمل حب هو الذي يأتينا صدفة ودون ميعاد ونحن لم نكن نبحث عنه! كثيراً ما كنت أتحايد كلمة الحب ومشتقاتها وزميلاتها وأقربائها ، وأخشى التورط في علاقة عاطفية ودخول معسكر الاعتقال العاطفي، وأقول لقلبي: لا تحب بعمق ،فعمق حبك اليوم هو عمق جرحك غداً ! يا فؤادي : حاول ألا تشبهني ، لا تكن على عجل مثلي ، أنظر يمينك ويسارك وخلفك وفوقك قبل أن تختار رصيف الحياة ، لا تركب قطار الحب المجنون أثناء سيره..لأنك ستموت في حادث حب..لكنه لم يسمعني ! لم أقابل شخصاً واحداً وقع في الحب ولم يتحطم قلبه .
لم أكن أتوقع أن نظرة منها ستغير كل حياتي، نظرة منها، وإذا بي لا أشبه الآخرين. اقتحمت قلبي ودخلت حياتي على غير ترتيب أو توقع مني ، اختارها قلبي لتسكن وحدها بداخله ، وأصبحتْ حبيبتي، ورحتُ أمشي في دروب الحب ، أمتصُ حبها بشراهة التراب الجاف والأرض العطشى للمطر ،ووصلتُ إلى مرحلة اللاعودة ، شيء لا أعرف توصيفه يكبر داخلي ،يمنحني سروراً لم أعرفه من قبل، إنها بذرة الحب تنمو في تربة قلبي ،أروي براعمها من عصارة روحي ودماء قلبي ، حتى البراعم تتوجع حين تتفتح ! لا يطرح الحب وروداً في الموسم الأول ، يحتاج إلى فصلين أو أكثر قبل أن يزهر ، هكذا هو الحب يولد من رحم الفرح ، يعيش ويترعرع داخلنا ،يكبر لحظة بلحظة كي يستقر أخيراً في الروح ،ولا نريد هجره رغم آلامه وعذابه، حين نكتب عن الحب يصبح للحروف نكهة أحلى وللكلمات معنى أجمل ! أما بعد : فلن أحب أحداً بعدها، أما قبل : فأنا لم أعرف الحب إلا بها ،ولن أنشغل بأحد سواها ، ويستحيل أن يكررها القدر بحياتي أبداً!
منذ أن وقعت عيناي على الفتاة ، سكنتْ بين رموش قلبي وقرّبتها من روحي ، دخلتْ في نسيج أيامي ،وتشابكت معها كل خيوط حياتي. لا حاجة لترسيم الحدود بيننا ، بتُّ أفتش عني داخل جسدها ، هي في قلبي وأنا في قلبها، هي وعيناها وقلبها عائلة أخرى لي ، اللهم أسعد قلبي ومن في قلبي.. فقد قلّبتْ حياتي وبدّلتها، وبتُّ لا أستطيع أن أمنع نفسي من التفكير فيها والاشتياق إليها ، فالاشتياق هو نوع من أنواع الإدمان لا يعاقب عليه القانون ، وهو حكاية وكمشة حكي لا يمكن شرحها في سطور! أتوسد أحلامي ،أفكر فيها قبل أن أفكر في نفسي، كل شيء من حولي تغيّر، حبها غيّر عادات نومي وصحوي ، وطريقة أكلي ولبسي ، حتى نفسي ومشاعري ونمط حياتي ، ولا يمكنني أن أخفي فرحتي بهذا التغير الجميل! كرهتُ أيام دوامي بالجامعة لأنها غير قادرة أن تعوضني عن أيام غابت فيها عني ، مازال قلبي متعلقاً بأهداب اللقاء ..أذهب لأنام.. أُطفئ الضوء.. أضع رأسي على وسادتي..أغمض عينيّ..ولسبب ما لا أعرفه ولا يعرفه أحد أظلّ مستيقظاً! لا أستطيع التحرر من طيفها الذي يلازمني كروحي ، أقضي الليل كله لأحرسه ،نار الشوق تشتعل في صدري ، لم أعد قادراً على التركيز في دروسي أو في أي شيء آخر، إنها غذاء لعقلي وخبز لقلبي وعسل للساني!