تحليلات سياسيةسلايد

إردوغان يلتقي بوتين… أخيراً: أنقرة تستعجل استرضاء موسكو

محمد نور الدين

أخيراً، يشدّ الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، رحاله، ليلتقي نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في سوتشي الروسية المطلّة على البحر الأسود، الإثنين المقبل (4 أيلول)، بعدما كان لقاؤهما منتظراً خلال شهر آب المنصرم. وكانت أسهم اللقاء ارتفعت أخيراً، على رغم ما أثارته مواقف إردوغان من إسطنبول وفيلنيوس التي استضافت قمة «حلف شمال الأطلسي» في 12 تموز الماضي، من سخط لدى موسكو، لما حملته من انحياز إلى الجانب الأوكراني ومن خلفه الغربي. وحمل الاستياء الروسي، أنقرة، على محاولة رأب الصدع مع موسكو قبل تفاقمه، ولا سيما مع انسحاب روسيا من اتفاقية حبوب البحر الأسود، والتي تعدّها تركيا إنجازاً ديبلوماسياً لها.

وخلافاً لإردوغان، لم يبدُ بوتين مستعجلاً للقاء نظيره، على رغم أنهما تحادثا هاتفياً واتّفقا على اللقاء خلال شهر آب. لكن وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، عاد وأعلن أن اللقاء سيكون في أيلول، قبل توجه إردوغان إلى الهند للمشاركة في قمة «مجموعة العشرين» الاقتصادية، ومن ثم إلى «الأمم المتحدة». وفي السياق، يقول الخبير في العلاقات التركية – الروسية، آيدين سيزير، إن العمل على عقد القمة قبل الثامن من أيلول كان بـ«إلحاح تركي»، لأن «تأجليها إلى ما بعد هذا التاريخ من شأنه إبراز مشكلة مستعصية وكبيرة بين تركيا وروسيا، خاصة بعدما روجت تركيا أن بوتين كان سيأتي إلى تركيا في أوائل آب قبل أن يتضح أن هذا ليس مؤكداً».

وبينما الأنظار شاخصةٌ إلى اللقاء، لترقّب مآل العلاقات الثنائية، ومستقبل القضايا الشائكة المطروحة من مثل التوصل إلى اتفاق جديد لنقل الحبوب إلى العالم، وأمن البحر الأسود، والوضع في القوقاز وسوريا، يبدو أن تركيا عملت جاهدة لتذليل العقبات بين البلدين قبل الاتفاق على موعد اللقاء، وذلك من خلال زيارة قام بها وزير الخارجية التركي إلى كييف، ومن ثم إلى موسكو، انتهت أمس الجمعة.

وفي خلال زيارته، ذكّر فيدان بالجذور القديمة للعلاقات بين تركيا وروسيا، اللتين وصفهما بـ«الأكثر فهماً لبعضهما البعض» في المنطقة. وحول مسألة اتفاقية الحبوب، شدد فيدان على أهمية فهم المطالب الروسية، كاشفاً أن بلاده «ستقدم اقتراحاً» في هذا الشأن بالتعاون مع الأمم المتحدة، من دون الخوض في تفاصيله. ولفت فيدان إلى أن الهدف من محادثاته مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، هو العمل على استقرار بنّاء في المنطقة، قائلاً إن زيارته إلى كييف تناولت الأهداف نفسها.

ومن جهته، ذكّر لافروف، خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع فيدان، بالشروط الروسية التي من شأنها أن تعيد العمل باتفاق الحبوب، قائلاً: «نقلنا إلى شركائنا الأتراك مفهومنا حول ما يجب القيام به في الغرب قبل كل شيء، من أجل استئناف هذه المبادرة». وأكد لافروف استمرار التعاون مع تركيا في مجال الطاقة من خلال مفاعل «آق قويو» النووي قرب مرسين، ومضاعفة كميات الغاز التي تصدّرها روسيا إلى تركيا، بالإضافة إلى العمل على رفع حجم الواردات الروسية من الخضار والفواكه التركية، مشيراً إلى أن حجم التبادل التجاري ازداد خلال عام، أكثر من تسعين في المئة. وإذ ثمّن لافروف السياسة الخارجية التركية «ذات السيادة»، نقل عن بوتين قوله إن روسيا لن تسمح أبداً بتعريض الأمن التركي للخطر تحت أي ظرف من الظروف.

وحول مسألة الحبوب، كشف لافروف عن اقتراح بلاده نقل الحبوب الروسية بحدود مليون طن إلى تركيا حيث تتمّ معالجتها، ومن ثم تصدر إلى الدول الفقيرة، مبيّناً أن هذا المقترح يمكن أن يتحقق بدعم مالي من دولة قطر. لكن مستشار الرئاسة الأوكرانية، ميخايلو بودولياق، وصف الاقتراح الروسي بأنه «غير مقبول» كونه لا يشمل الحبوب الأوكرانية، معتبراً أن الأتراك يجهدون عبثاً لإقناع روسيا باتفاقية جديدة مناسبة، بل يظهرون «دونية» في المفاوضات، و»هذا يقلّل من احترامهم»، بحسبه. إلا أن أنقرة، في الواقع، ترى أن أفضل وسيلة لمنع انتشار الحرب في البحر الأسود هو التوصل إلى اتفاقية جديدة لنقل الحبوب، وفق ما تكتب صحيفة «ميللييات» التركية، ناقلةً عن مصدر ديبلوماسي أميركي، لم تذكر اسمه، قوله إن الولايات المتحدة «ليست جزءاً من المفاوضات بين تركيا وروسيا وأوكرانيا ولكن خبراءها على تنسيق كامل مع تركيا والأمم المتحدة». وإذ تلفت إلى أن «العمل جارٍ» على خطة تصدير الحبوب الأوكرانية عبر نهر الدانوب بالتنسيق مع رومانيا ومولدوفا، فهي تذكّر بأن الغرب، منذ أن أعلنت روسيا اعتبار السفن الأوكرانية كلها أهدافاً حربية، «يبحث عن خطة بديلة لاتفاقية الحبوب»، وخصوصاً أنه «لم تصل سالمة من موانئ أوكرانيا إلى تركيا سوى سفينتين مذاك». غير أن تركيا تعتقد أن خطّة الطريق البديل ليست عمليةً ولا بديلةً من الاتفاق السابق، كما قال فيدان، مشيراً إلى أنها «عرضة لمخاطر كثيرة».

على أي حال، تعكس الحركة المكوكية لفيدان إصراراً تركياً على تحقيق إنجاز ديبلوماسي جديد من شأنه أن يعوّض انهيار الإنجاز الأول، ويُعيد التوازن إلى علاقات أنقرة مع موسكو. وفي ظل تحديد موعد للقاء إردوغان مع بوتين، تبدو الأجواء إيجابية ومهيأة لإحداث اختراق بالفعل، من دون أن يكون محتوماً التوصل إلى اتفاقية جديدة، نظراً إلى أن الولايات المتحدة لا تزال تعارض تقديم تسهيلات مالية لصادرات الحبوب الروسية إلى العالم، إلا إذا تنازلت روسيا كرمى لمواصلة العلاقات مع تركيا، وهذا ما لا يزال غير واضح المعالم.

على أن محادثات إردوغان – بوتين لن تقتصر على مسألة الحبوب، بل ستتناول أيضاً إمكانية البدء بمفاوضات سلام جديدة بين موسكو وكييف في ظلّ المراوحة الحالية. إلا أن لافروف وصف «المبادرات التي تهدف إلى الترويج لما يسمى بصيغة زيلينسكي للسلام»، بـ«غير المقبولة والفاشلة بشكل واضح»، موضحاً لنظيره التركي سبب «استحالة الاعتماد على الجهود المبذولة في هذا الشأن». كذلك، سيكون التوتر في القوقاز بين آذربيجان وأرمينيا في صلب المحادثات، ولا سيما مع تصاعد التوتر بسبب إغلاق الأولى ممر لاتشين بين الأخيرة وناغورنو قره باغ، والحصار الذي تتعرض له منطقة الحكم الذاتي الأرميني، وإصرار باكو ومعها أنقرة على البدء بشق ممر زينغيزور بين تركيا وآذربيجان عبر الأراضي الأرمينية، وسط استمرار معارضة يريفان لذلك.

وبحسب وسائل الإعلام التركية، فإن الوضع في سوريا لن يكون غائباً عن المحادثات، في ظلّ رغبة موسكو في مواصلة اجتماعات منصة «أستانا»، واتّخاذ إجراءات جديدة لتفعيلها، بناءً على أسس توافقية بين الدول الأربع (سوريا وتركيا وإيران وروسيا)، وبحث «خطوات استعادة العلاقات الديبلوماسية بين أنقرة ودمشق»، والتي ناقشها لافروف بالفعل مع فيدان. ومع ذلك، تستبعد التحليلات تحقيق تقدم في هذا المجال، في ظلّ تكثيف تركيا والتنظيمات المسلحة الموالية لها تحركاتها العسكرية قبالة مواقع الجيش السوري، ورفض أنقرة سحب قواتها من الأراضي السورية، ومواصلة الولايات المتحدة الضغط على تركيا لمنع أي اختراق في الملف السوري.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى