أحزاب الإسلام السياسي… نتائج كارثية! (مصطفى القرداغي)

 

مصطفى القرداغي

حتى الأمس القريب كانَت مُجتمعاتنا العربية والإسلامية تعيش بأمن وسَلام وثبات؛ الى حُدود مَعقولة ومَقبولة كحال أغلب المُجتمعات في العالم، وكان الدين بالنِسبة لها جُزئاً مِن هَويّة ثقافية حَضارية، وطريقاً للتواصُل مَع خالقِها. حَتى جاء ذلك اليوم الذي ظهَر فيه فِكر الإسلام السياسي مُحاولاً تعكير صَفو هذا الأمن والسَلام، لإحياء مَجد خِلافة وسَلطنة إسلامية عَفا عَليها الزمَن، وإنعدَمَت الظُروف المَوضوعية لوجودها، بحُجّة ظاهِرُها ديني وَرع هو نُصرة الدين وإعلاء شأنِه، وباطِنُها دُنيَوي جَشِع هو الوصول الى السُلطة بكل جاهِها وجَبَروتِها.
لقد كان حَسَن البنا هو أول مَن نَثر بذرة الإسلام السياسي ممثلاً بالإخوان المسلمين في تُربة المُجتمَعات العَربية، والتي لعِب الجَهل والتَخلف عامِلاً مُهمّاً بتقبّلها وانتشاره، حتى طَغت اليوم على النباتات الصالِحة فيها، تلاه سَيّد قطُب ثم الخُميني. وعلى الرَغم من رَحيل هذه الأسماء عَن عالمِنا منذ وقت طويل، إلا أنها ترَكت وَرائَها حُقولا ومَزارع لها أول وليسَ لها آخِر.
فرّخَت في البَدء مافيات إستِثمارات وتوظيف أموال، تحَوّلت في ما بَعد الى أحزاب إسلام سِياسي، تنتشِر اليَوم على طول العالم العَربي والإسلامي وعَرضِه، مِن باكستان الى موريتانيا، ومِن فلسطين ولبنان الى اليَمن والصومال، بَل وبَدَأت تنبُت اليَوم في جَميع أنحاء العالم، بحَيث لم تعُد تسلم مِنها أي بُقعة مِن بقاع الأرض، وباتَت أشبَه بشَبَكة عَنكبوتية مُترامِية الأطراف، تتلقى دَعماً لا مَحدود مِن جهات دولية مُتحالفة مَعها تسعى لأيصالها الى السُلطة في الدول العربية والإسلامية على حِساب الأنظِمة الكلاسيكية التي تحكمُها مُنذ عُقود.
ففي إيران ضاقَت الدُنيا على الشاه ورَأينا الخٌمَيني يَهبط سُلّم طائِرة فرَنسا(الحُرّية!) في مَطار طَهران مُتأبّطاً ذِراع طَيّار فرَنسي! وفي العراق جَيّشَت أمريكا (حُقوق الإنسان!) جيوشَها لتستبدِل روزَخونيّة الإسلام سياسي بصدام! ونختُم بما سُمِّي بالربيع العَربي والـدَور المُريب الذي لعِبَه الغَرب(الديمُقراطي العَلماني!) لوجستياً وإعلامِياً في التحَكّم به، فمَرّة يُضَيّق على بَعض الرؤساء كما فعَل مَع مُبارك وبن عَلي لدَفعِهِم للتنَحّي وإستِبدالِهم بالغنّوشي ومُرسي، ومَرّة يَصِف السَلفيين والقاعِدة في ليبيا وسوريا بالثوّار ويُؤازرُهُم بقِتالِهم ضِد الأنظِمة الحاكِمة، التي ورَغم سِلبيّاتِها الكثيرة تبقى لها أفضَليّة على أحزاب الإسلام السياسي.
نبَتت هذه الأفكار فجأة في تُربة مُجتمَعاتنا، وباتت تؤثر على وَعي شَرائِح واسِعة مِنها، وتدفعُها للهَلوسة. ولقد شاهَدنا قبل سَنوات تأثير هؤلاء التي بثتها نباتات مِن شاكلة جلال الدين الصَغير وعَدنان الدليمي على شَرائِح واسِعة مِن المُجتمَع العِراقي، وكيف دفعتهُم إلى حَرب أهلية، قتل فيها العراقيون بَعضهُم على الهَوية المَذهبية والدينية. وهانَحن نشاهِد اليَوم النتائِج الكارثية لهَلوسَة (ثورات الرَبيع) التي عاشَتها مؤخراً بَعض المُجتمَعات العَربية بفعل من تبثه ممِن هو على شاكِلة يوسف القرَضاوي واعِظ قطَر، خصوصاً عِبر شاشة الجَزيرة التي تمَثل لسان حال الإسلام السياسي، والتي نجَحَت نيجة لخِبرتها بتزييف الحَقائق وترويج الأباطيل في خِداع الناس بَعد أن صَوّرَت لهُم خَريف الإسلام السياسي رَبيعاً للحُرية والديمُقراطية.
لقد باتَ الأمل بالتخَلص مِن تأثير هذه الجماعات في نفوس المُجتمَعات العَربية ضَعيفاً جداً بل وشُبه مَعدوم، في ظِل سُيول التَخلف التي تُغرق عُقولها وسُحُب الجَهل التي تُغطّي سَمائَها بما يُطيل عُمُرَها، وفي ظِل غِياب أي نوع مِن أنواع المُبيدات المعارضات التي مِن شأنِها مواجهة فِكر الإسلام السياسي، في ظل دَعم إقليمي ودُولي لهذا الفِكر ورَغبَة بإيصالِهِ للسُلطة في مَنطقة الشَرق الأوسَط والعالم الإسلامي وتوليه لمَقاليد الأمور فيها في الوقت الحاضِر وعَلى المَدى القريب.
فيما يَبدو أنّه صَفقة دُبِّر لها بليل بَين أحزاب الإسلام السياسي والأطراف الدولية التي تدعَمَها. وفي الوقت الذي وَقفت فيه أغلب الأنظِمة العَربية بقوة بوَجه هذه الجماعات وتَهديدِها لمُجتمَعاتِها، التي مَثلت تَركيبَتِها الفِكرية الإجتِماعِية المُعَقّدة أرضاً خَصِبة لنمُوّها، كانَت المُجتمَعات الغربية بمَأمَن مِنها، الى حين قامَت حُكوماتِها بغباء ورُبما خُبث بزراعَتها بَين ظِهرانيها، عِبر إستِيرادِها لبُذورها وإستِقدامِها لأراضِيها باسم الديمُقراطية وحُقوق الإنسان. جماعات كان لها دور كبير في تسميم نفوس المُجتمَعات العربية والإسلامية والغربية وأجوائِها، وتحويلِها مِن مُجتمَعات طَبيعية الى مُجتمَعات مَريضة لا أمَل بشِفائها حَتى في المُستقبل القريب.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى