ينبغي أن يكون نموذج الإنسان خالد خليفة بيننا حتى لو كان مشاغباً وصارماً في تحديه لنا وللجهات المسؤولة، وعندما يفتقد المجتمع هذا النموذج، لابد أن يكون عاجزاً عن تقديم الاختلاف، والعجز عن تقديم الاختلاف يعني ببساطة أننا سنتأخر في بناء مجتمعنا وتحقيق أحلامنا.. لذلك سألته وأنا أحكي معه عن الموضوع ألا تخاف ؟!
فسألني ، ولماذا أخاف؟!
أجبته بأنني شاهدته على إحدى المحطات يهاجم البنية السياسية بنبرة عالية مفرطة واتهامات لايجرؤ عليها الآخرون ، وأخبرته أنني ظننت أنه لن يعود بعدها.
ضحك، وقال : عُدت، وسُئلت وأجبت، وانتهتْ المسألة !
نشأ خالد خليفة في الوسط الثقافي السوري وسط ضجيج الأسماء التي كان من الصعب حجز مكان بينها، لكنه شق طريقه بدأب وصبر مبدعاً ومميزا فكسر الأبواب المغلقة وتمكن من الخروج من قمقم العزلة.
تعرفت عليه صدفة قبل أكثر من ثلاثين عاما، عندما خرجت من السجن، وكنت أحاول رسم أحلامي، والتقينا على طاولة شاي في الهافانا مع الكتاب الرائعين نبيل صالح ولقمان ديركي ووائل السواح وظلت صورهم راسخة في رأسي لأنهم أول الكتاب الشباب الذين التقيت بهم بعد غربة السجن الطويل .
كانت مجموعتي القصصية الأولى (الكتابة على الماء) قد صدرت، وكان يطبع روايته في المطبعة نفسها المجاورة لمكتب مجلة ألف في العدوي قرب دار الشفاء، وكان من السهل التعرف عليه لأنه مثير للاهتمام يمتلك شخصية فوضوية لكنها جذابة ولأنه أيضا فضولي منفتح على الآخرين وقادر على (تورطيهم) في صداقته .
لم تكن الصداقة عميقة في تلك الأيام، رغم أنه ناقشني في النص الذي نشرته في مجلة ألف التي كان يرأس تحريرها الكاتب سحبان السواح وكان النص عن شهرزاد، التي تقتل الملك منذ الليلة الأولى، فاكتشفت أنه قرأ مجموعتي الأولى وقد أخذها من الناشر ، وسُعدت كثيرا ً.
أحببته أكثرعندما قام المخرج هيثم حقي بتحويل نص روايته إلى مسلسل تلفزيوني من بطولة أمل عرفة وفراس ابراهيم، فإذا بي أشاهده على التلفزيون يتحدث عن المسلسل، ويقول إنه أخبر هيثم حقي أنه يكتب الرواية ولايكتب السيناريو ، فأعطاه هيثم حقي كتابي عن الدراما، وببساطة قال على الشاشة: قرأت كتاب عماد نداف خلال يومين، وسريعا كتبت السيناريو الذي أدهش المخرج هيثم حقي وتبناه.
أسعدتني هذه الشهادة منه في وقت كان الوسط الدرامي المناوئ لهيثم حقي يضيّق علي وتحديدا (المخرج مأمون البني والصحفي محمد منصور) واتهمت بأنني أكتب مايريده هيثم حقي.
وصعد خالد خليفة في عالمي الأدب والدراما ، فإذا هو كاتب فذ، أطلق نوعا من الرواية الجديدة كنا نفتقده ، فترجمت أعماله وانتشرت، وحاز على الجوائز، وفي طيات أحلامه الأولى التي عرفتها منه ينمو نوع من الكتابة المتمردة القادرة على أن تقول شيئاً للناس وبجرأة غير عادية.
رأيته آخر مرة في نادي الصحفيين قبل نحو عام أثناء توقيع الديوان الأخير للشاعر الكبير شوقي بغدادي، فوجئت بوجوده، وسألته : لا أصق أنك هنا؟!
ــ وأين تريدني أن أكون ؟
ــ ألست معارضا ؟
ــ أكثر من معارض ، وأذهب وأعود ، ولن أبقى خارج سورية .
وحكى لي عن البيت الذي اشتراه وعن البورسلان الذي جمّل به المطبخ الصغير، وعندما سألته عن الزواج رد بأنه لم يتزوج ، حاولت إقناعه ببلادة رجل عادي بضرورة البيت والأسرة في هذه الحياة ، فابتسم ، ودعاني إلى زيارته، فأخبرته أنني أخاف .
وسريعا سألني :
ممن ؟!
وقبل أن أجيبه، اقتحمت الجلسة فتاة جميلة جريئة، فعانقته وسألته عن غيابه ، ثم جاء الصديق نضال قوشحة فجلس معنا، واتسعت الجلسة، وظل تفكيري منصباً على إجابة مناسبة على سؤاله الأخير : ممن؟!