لغز الولايات المتحدة و«حزب الاتحاد الديمقراطي» وتركيا
تواصل الحكومة الأمريكية مناقشة ما إذا كان ينبغي عليها تزويد «وحدات حماية الشعب» – الجناح العسكري لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي السوري – بالأسلحة الثقيلة، بما في ذلك قاذفات صواريخ مضادة للدبابات ومضادة للطائرات. وكانت «وحدات حماية الشعب» قد ساعدت على استعادة السيطرة على الأراضي التي كانت بحوزة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» في الأشهر الأخيرة، وذلك بدعم من الولايات المتحدة شمل الغارات الجوية والذخيرة. إلا أن الوضع أكثر تعقيداً من مجرد زيادة المساعدة لجماعة متحالفة.
وعلى الرغم من أن الأسلحة الثقيلة قد تُمكّن «وحدات حماية الشعب» من الاستيلاء على مزيد من الأراضي الواقعة تحت سلطة تنظيم «الدولة الإسلامية»، إلا أن مثل هذا التطور قد ينقلب بسرعة، لأن مساعدة «الوحدات» على تصعيد الحرب في الشمال قد تحفز رد فعل قومي عربي عنيف ضد التقدم الإقليمي الكردي، مما قد يزيد من دعم تنظيم «داعش». وإذا انتهى المطاف بالأسلحة الأمريكية في أيدي «حزب العمال الكردستاني» – المنظمة الأم لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي» في تركيا – فإن ذلك قد يؤتّر فعلاً على العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة وتركيا ويضع ضغطاً هائلاً عليها. لكن في الوقت نفسه، إن التخلي عن «حزب الاتحاد الديمقراطي» يمكن أن يدفع بالأكراد السوريين نحو روسيا، وهو ما يعارض مصالح واشنطن وأنقرة. ووفقاً لذلك، فبينما يجب على واشنطن أن تفكر في عدم توفير الأسلحة الثقيلة إلى «حزب الاتحاد الديمقراطي»، تحتاج تركيا إلى بناء علاقات جيدة مع الجماعة والمصالحة مع «حزب العمال الكردستاني».
«حزب الاتحاد الديمقراطي» ليس جزءاً من المعارضة المناهضة للأسد
لا تزال الحرب السورية صراعاً غير محدد الطرفين، فهي عبارة عن حرب بين أطراف متنازعة وسط شبكة من الفوضى [بين عواصف] التحالفات المتغيرة، كما رأينا في النقص النسبي في المواجهة العسكرية بين تنظيم «الدولة الإسلامية» ونظام الأسد. وبشكل مماثل تَجنَب كل من «حزب الاتحاد الديمقراطي» والنظام الانخراط في اشتباكات كبيرة، واختارا بدلاً من ذلك إبرام معاهدة غير رسمية بعدم الاعتداء. ففي تموز/ يوليو 2012، انسحب النظام من معظم المناطق ذات الغالبية الكردية في شمال سوريا، بينما تولت «وحدات حماية الشعب» المشكّلة حديثاً – والمؤلفة من تحالف «حزب الاتحاد الديمقراطي» و«المجلس الوطني الكردستاني» – السيطرة على هذه المناطق وإنشاء ثلاثة كانتونات تم الإعلان عنها ذاتياً في روج آفا أو “كردستان الغربية”. وتشمل هذه الكانتونات عفرين في شمال غرب البلاد، وهي منفصلة عن الكانتونات الملتصقة في كوباني وجزيرة في الشمال والشمال الشرقي، على طول الحدود التركية.
عرض نسخة أكبر.
منذ ذلك الحين لم يقم «حزب الاتحاد الديمقراطي» بأي عمليات [عسكرية] ضد الأسد. وفي الواقع، تسامح مع وحدات كبيرة من قوات النظام في المناطق الكردية قرب القامشلي والحسكة، حيث يسيطر الجيش على المطار، وعلى نقطة عبور حدودية، وعلى العديد من المباني الحكومية. إن الهدف الإسمي لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي» هو تحقيق الاستقلال الذاتي الإقليمي والدفاع عن المناطق الكردية في سوريا ضد تنظيم «داعش». لكن لدى «الحزب» جدول أعمال أكثر طموحاً: فبعد أن صدت قواته هجوماً قام به تنظيم «الدولة الإسلامية» مع مساعدة من الولايات المتحدة ومن قوات التحالف في وقت سابق من هذا العام، شن «حزب الاتحاد الديمقراطي» هجوماً لتوحيد الكانتونات الحدودية الكردية تحت هدف قطع طرق التهريب التي يستعملها تنظيم «داعش» إلى تركيا. وخلال الحملة الأولى التي أطلقت في حزيران/ يونيو، استولت الجماعة على تل أبيض – المنطقة الكردية التركمانية العربية المختلطة. وكنذير ممكن على التطهير العرقي في المستقبل، اتهم تقرير لـ “منظمة العفو الدولية” مؤخراً قوات «وحدات حماية الشعب» بالمشاركة في عملية طرد العرب والتركمان من منازلهم وتدمير ممتلكاتهم. هذا ويحاول «حزب الاتحاد الديمقراطي» الآن إقناع واشنطن بالسماح له بالتحرك غرباً عبر نهر الفرات والاستيلاء على منطقة مختلطة من التركمان والعرب والأكراد، وذلك بهدف توحيد كوباني وجزيرة مع كانتون عفرين. ومن شأن ذلك أن يشكل حزاماً كردياً متجاوراً على طول الحدود – وهو خط أحمر واضح لأنقرة.
إن دعم «حزب الاتحاد الديمقراطي» كحل لمشكلة تنظيم «الدولة الإسلامية» يطرح نوعين من القيود: (1) القدرة المحدودة لـ «وحدات حماية الشعب» على الصعيدين السياسي والعسكري خارج المراكز السكانية الكردية، و(2) تصور أنقرة بأن «حزب الاتحاد الديمقراطي» هو واجهة لـ «حزب العمال الكردستاني»، الجماعة التي صنفتها الولايات المتحدة على أنها تنظيم إرهابي والتي شنت حرباً على الحكومة التركية منذ عقود. ومع أخذ هذه القيود بعين الاعتبار، أعلنت واشنطن مؤخراً أنها ستقوم بتسليح ودعم منظمة مظلة جديدة تُدعى «قوات سوريا الديمقراطية»، التي تضم «وحدات حماية الشعب» و«التحالف العربي السوري» – الذي يتألف من عدة فصائل من الثوار بما فيها «جيش الثوار» و «جيش الصناديد»، إلى جانب المسيحيين الآشوريين. إن الدعم الأمريكي لهذا الإئتلاف الناشئ الذي يضم حوالي 5000 مقاتل يهدف إلى الضغط على معقل تنظيم «داعش» في مخيم الشدادي جنوب الحسكة، وبالتالي قطع الروابط بين ما يسمى “عاصمة” «الدولة الإسلامية» في الرقة والمعقل العراقي في الموصل. هذا وتعتزم واشنطن دعم هذا الجهد عبر الضربات الجوية وإمدادات الأسلحة التي تسقطها الطائرات. ومقابل دعم تركيا للعملية، أفادت بعض التقارير أن المسؤولين الأمريكيين وافقوا، حالياً، على الالتزام بالخط الأحمر الذي وضعته أنقرة والذي ينص على أنه لا يمكن لأي قوات كردية عبور غرب الفرات.
ربما يكمن الأمر الأكثر أهمية هنا في أن المنصات النقالة للأسلحة التي تم تسليمها مؤخراً إلى «وحدات حماية الشعب» و «قوات سوريا الديمقراطية» والتي بلغ عددها 100 منصة، لم تشمل أي أسلحة ثقيلة. وكما هو موضح أعلاه، فإن أي نقل للأسلحة من هذا القبيل من الممكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية بسبب غموض العلاقة (وهذا في أحسن الأحوال) بين «حزب الاتحاد الديمقراطي» ونظام الأسد. وبصرف النظر عن محاربة تنظيم «داعش»، يمكن للجماعة أيضاً ببساطة استخدام الأسلحة الثقيلة للاستيلاء على المزيد من الأراضي وفصل المناطق الكردية عن سوريا، وبالتالي تصعيد الحرب وبدء حركة تقسيم فعلية.
تهديد للروابط العسكرية بين الولايات المتحدة وتركيا
في عام 2003، أسس «حزب العمال الكردستاني» [القائم في تركيا] «حزب الاتحاد الديمقراطي» [في سوريا]، ومنذ ذلك الحين تخضع الجماعة السورية للقيادة والأيديولوجية لحزب الأم في تركيا وتحترمها. لذا تعتبر تركيا أن «حزب الاتحاد الديمقراطي» حركة إرهابية مثلها مثل «حزب العمال الكردستاني». وقد انهارت محادثات السلام التي أجرتها أنقرة مع هذا الأخير في تموز/ يوليو، مما أدى إلى اندلاع موجة من العنف داخل تركيا. وعلى الرغم من أن «حزب العمال الكردستاني» أعلن في 10 تشرين الأول/ أكتوبر عن وقف إطلاق النار من جانب واحد، إلا أن 11 من ضباط الأمن التركي قد قُتلوا في هجمات [مختلفة] منذ ذلك الحين.
ونظراً إلى العلاقة الوثيقة بين الجماعتين، فإن جزءاً على الأقل من أي أسلحة ثقيلة تقدمها الولايات المتحدة إلى «حزب الاتحاد الديمقراطي» سيصل لا محالة إلى «حزب العمال الكردستاني»، الأمر الذي من شأنه أن يمكنه من شن هجوم رمزي مثل إسقاط مقاتلة تركية نفاثة، مما سيشكل تطوراً مقلقاً قد يشل فعلياً الروابط العسكرية الأمريكية التركية لسنوات قادمة. على الرغم من أن العلاقات الثنائية كانت مضطربة في الآونة الأخيرة، إلا أن مشاركة تركيا في التحالف ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» تخدم مصالح واشنطن، كما تبقى أنقرة حليفاً في “حلف شمال الأطلسي” (“الناتو”). وبعد عشر سنوات من الخلافات، برزت مؤخراً فرصة ذهبية لتعزيز الروابط العسكرية بين الولايات المتحدة وتركيا على شكل تدخل روسي في شمال سوريا. فلطالما كانت موسكو أكبر عدو تخشاه تركيا، حيث خاض العثمانيون حوالي عشرين حرباً وحشية ضد روسيا. ومن خلال ضمها شبه جزيرة القرم وإرسالها قوات إلى سوريا، أصبحت موسكو جارة تركيا القريبة على نحو غير مريح في شمال البلاد وجنوبها، مما تسبب في قلق كبير في أنقرة، ومًنَح واشنطن فرصة لتجديد العلاقات العسكرية.
لا يمكن لأنقرة أن تتجاهل الأكراد
في مقابلة أجريت معه مؤخراً، رحّب زعيم «حزب الاتحاد الديمقراطي» صالح مسلم بنشر [القوات] الروسية، في حين أفادت بعض التقارير أن موسكو شجعت «وحدات حماية الشعب» على توحيد كانتونات كوباني وعفرين (انظر المرصد السياسي 2499، “أكراد سوريا يفكرون الدخول في تحالف مع الأسد وروسيا في حلب”). ينبغي لهذا الأمر أن يكون علامة تحذير لتركيا، فإذا أصبح «حزب الاتحاد الديمقراطي»، وبالتالي «حزب العمال الكردستاني»، عميلاً لروسيا، فإن آمال أنقرة بالتفاوض مع الأكراد الأتراك لحل مشاكلهم ستتبدد في الواقع. إن دعم روسيا لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي» و«حزب العمال الكردستاني» سيضع هاتان الجماعتان في موضع «حزب الله» بالنسبة إلى إسرائيل: عميل مسلح يقاتل في حرب لصالح طرف آخر ضد حليف للولايات المتحدة.
ووفقاً لذلك، يتعيّن على تركيا أن تسحب البساط من تحت أقدام موسكو من خلال توطيد العلاقات مع «حزب الاتحاد الديمقراطي». ويعني ذلك على المدى القصير، مساعدة «قوات سوريا الديمقراطية» بأسلحة خفيفة تدعمها القوة الجوية الأمريكية. إلا أن أفضل طريقة لتقويض [تأثير] روسيا ستتجلى في السلام التركي الكردي داخل تركيا. يجب على واشنطن أن تشجع أنقرة على إيجاد سبل دائمة لإنهاء القتال مع «حزب العمال الكردستاني» من خلال حل سياسي، الأمر الذي من شأنه أن يساعد على إبقاء الأكراد في كل من تركيا وسوريا في صفوف أنقرة وواشنطن.
معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى