دان براون يسقط بتلذذ في جحيم دانتي (كرم نعمة)

كرم نعمة

 

هذا الكاتب سقط بتلذذ في جحيم دانتي، بعد سنوات من دراسته عندما كان تلميذا، لينجز روايته الجديدة "الجحيم"، لأنه أدرك بشكل متأخر نسبيا قدر تأثير عمل دانتي الرائع على العالم الحديث "هل حقا يعيش العالم المعاصر جحيما دانتيا"؟
رواية دان براون الرابعة المؤمل توزيعها خلال هذه الأيام تعيد القدر إلى القراءة ليصبح الهوس بالكتاب أشبه بالشغف بالكمبيوتر اللوحي والهاتف الذكي، وكل توقعات باعة الكتب تشير إلى إنها ستعتلي صدارة الكتب الأكثر مبيعا لعام 2013.
براون الذي دخل مجد الكتابة الروائية بحس تاريخي مفعم بالمعاصرة وبألغاز تبدو مبسطة بقدر كاف أثناء السرد، يعبر عن سعادته باصطحاب القارئ في رحلة عميقة إلى هذا العالم الغامض، عالم الشفرات والرموز والعديد من الممرات السرية.
كذلك يذهب بنصه إلى فلورانس، في رحلة مسكونة بالغموض لجحيم دانتي عبر 334 صفحة.
والأمر في مجمله صعب ومرعب بالنسبة لمؤلف "شفرة دافنشي" و"ملائكة وشياطين" و"الرمز المفقود"، ويتطلب الكثير من العمل، كذلك يقول براون "أنا لا أكتب عن الماسونية أو عن التاريخ القديم، أنا أكتب عن رؤية دانتي للجحيم. فلم يصل تصور الجحيم إلى هذه الرؤية المرعبة إلا مع حلول القرن الثالث عشر، لقد أثرت رؤية دانتي في التصور المسيحي العام عن الجحيم".
تتحدث الرواية التي هي اليوم محل عرض نقدي مفعم بالتساؤلات المبهرة أحيانا والثناءات وحتى النقد المستاء، عن البطل الرئيسي روبيرت لانغدون المتخصص في علم الرموز، والذي يتواجد طوال الأحداث في مدينة فلورانس، مسقط رأس الشاعر دانتي اليغييري.
وهذه ليست مصادفة، حيث يقوم عبقري بعلوم البيولوجيا بإعداد مؤامرة كارثية في المدينة، لكنه ترك خلفه ما يكفي من الأدلة المستقاة من مقاطع قصائد "جحيم دانتي".
يلتقي لانغدون برجل أشقر يتمتع بقدرات ذهنية خارقة لملاحقة العالم البيولوجي المتآمر، إلا أن منظمة دولية أخرى تظهر فجأة في الصورة، وتحاول الوصول إلى العالم البيولوجي أولا قبل نجاح الرجلين "لانغدون والرجل الخارق" في الوصول إليه.
وتدخل الرواية في مرحلة التشويق من خلال المطاردات التي يتعرض لها الرجلان من قبل العميلات الحسناوات للمنظمة طوال الوقت عبر المناطق السياحية المنتشرة حول المدينة.
تمتاز الرواية بطريقة الروي التي يشتهر بها دان براون، والتي تعكس بساطة وجرأة في السرد. كما تمتاز بكفاءة خارقة، في مزج قدرته العالية في الروي بقليل من الإثارة في "كوكتيل" بديع.
ويكشف براون طريقته الفريدة في معالجة "انقطاع الوحي" الذي يعاني منه الكتاب عادة، وتقتضي بتعليق نفسه رأسا على عقب، ليساعد في "تدفق العصائر الإبداعية"، ويرى أن هذه الطريقة مساعدة "عليك أن تسترخي وتطلق العنان لنفسك، وكلما فعلت ذلك، أطلقت العنان أكثر، وسرعان ما تحقق نجاحا باهرا".
ومع هذا الضجيج الإعلامي حول الرواية الجديدة، هل يثير براون غيض روائيين ينتجون أعمالهم بصمت ويعرض لها كأي كتاب في ملحق عروض الكتب بالصحف الأميركية والبريطانية.
يبدو الأمر مقبولا عند البعض الذي لا يعير اهتماما لذلك، لكن قلبه يخفق في السر من دون أدنى شك للأموال التي ستغدق على دان براون من كتابه الجديد.
علينا ان نتذكر هنا ان رواية "شفرة دافنشي" حققت رواجا كبيرا من حيث عدد النسخ المباعة وتم ترجمتها الى 51 لغة، وتحولت مع رواية "ملائكة وشياطين" إلى أفلام سينمائية أنتجتها هوليوود من بطولة توم هانكس. ولا يزال الإصدار السينمائي لرواية "الرمز المفقود" قيد الإعداد.
يكفي التذكر أن القراء تخاطفوا أكثر من مليون نسخة من الطبعة الفاخرة لرواية "شفرة دافنشي" في أنحاء الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا في أول يوم من عرضها في المتاجر عام 2009.
وسنرى الطوابير من جديد أمام متاجر الكتب لاقتناء رواية "الجحيم"، مثلما سيعاد السؤال عما إذا كانت القراءة لم تفقد طقوسها، وإذا كان الأمر كذلك ماذا عما يصدر يوميا من آلاف العناوين، وما سر الشغف بمثل هذا الكتاب، هل لقيمته الإبداعية حقا أم ثمة "بروباغاندا تجارية" وراءه؟
فوفق احدث استطلاع أجرته مؤسسة الصندوق الوطني للفنون الأميركية أن نصف المراهقين اليوم لا يقرأون الكتب إلا إذا قدمت لهم.
وهناك قائمة بمجموعة من أشهر الكتب الموجودة في رفوف جامعة كولومبيا وكيف أن استعارتها قد انخفضت بنسبة مخيفة.
ومن بين كتب الجحيم لدانتي والملك لير لشكسبير ودون كيشوت لسرفانتس وفاوست لغوته والجريمة والعقاب لديستوفسكي والحرب والسلام لتولستوي، لم يتم الاستعارة إلا للكتاب الأخير ولعدد متواضع.
وإذا كان هذه النسبة من القراء لا تعير بالا لجحيم دانتي، فلماذا يتهافتون لقراءة رواية جديدة تعيدهم إلى ما كتبه دانتي؟
مهما يكن من أمر، فسبق هزت رواية براون السابقة "الرمز المفقود" سوق النشر الراكدة، كما توقع جويل ريكيت مدير التحرير في منشورات "بنغوين" وحثت الناشرين على تطوير أدواتهم في تحميل الكتب على الانترنت، واليوم كل التوقعات تشير إلى هزة في "السوق المريضة للكتاب" برواية "الجحيم" لكنها تحمل معها تساؤلات مضاعفة عن الكتاب نفسه وتسويقه.
وقد يدفع تصاعد الطلبات في تحميل الكتب ألكترونياً إلى إعادة دراسة إستراتيجيات التسويق الشائعة والتركيز على السوق الالكترونية عبر الأنترنت، بعد ان كانت رواية "الرمز المفقود" أسرع الكتب بيعاً على الانترنت وطبع منها أكثر من ستة ملايين نسخة، وربما ستكون "الجحيم" أسرع منها بيعا، ويكفي أن نعرف انه تم ترجمتها إلى عدد من اللغات وستنشر في وقت واحد.

ميدل ايست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى