الإرهاب في الدراما التلفزيونية.. تسطيح وتهريج

كثيرون منا استيقظوا اليوم وهم يتساءلون عن أحدث قضية من قضايا الإرهاب في العالم وهي التفجيرات التي حدثت في باريس الليلة الماضية وراح ضحيتها العشرات من النساء والرجال والأطفال المدنيين، كيف لأحد أن يمسك رشاشا أو قنبلة ويطلق بعشوائية النار على الأبرياء، كيف يمكنه هذا؟

يعد الإرهاب في مقدمة القضايا الخطيرة التي تشغل بال العالم، ويستنفر بكافة أسلحته العسكرية والفكرية لمقاومته والتصدي له، وغني عن القول إن الإعلام بكافة أشكاله المقروءة والمسموعة والمرئية هو من أكثر الأسلحة تأثيرا على الناس وذلك لما تحتويه الصورة بالتحديد من قوة وسرعة واختصار في إيصال الفكرة التي تحمل آلاف الكلمات.

وظهرت قضية الإرهاب في المعالجات التلفزيونية بالتحديد بعد بعض الأحداث التي مست الدول العربية، فقدمت مسلسلات تطرح موضوع الإرهاب، لكن أغلب هذه الأعمال عالجت الجانب العاطفي في القصة، بحيث ركزت على براءة الضحايا الذين قضوا نتيجة لعمل إرهابي، وهذا في الحقيقة موضوع ليس بحاجة إلى طرح أو تركيز أو حتى دليل، لكون الضحايا أبرياء من غير شهادة المسلسل على ذلك.

واتسمت أغلب الاعمال التلفزيونية بالسطحية أيضا في معالجتها، ففي الوقت الذي أضاءت فيه بعض الممارسات الدينية التي ارتبطت بموضوعة الإرهاب وإساءة استغلالها من جانب الإرهابيين فإنها عجزت عن سبر أغوار الإرهاب كفكرة ومضمون معقد بحاجة إلى تفكيكه وبيان مكوناته النفسية والاجتماعية والفكرية والدينية.

إضافة إلى ذلك قدمت أعمال كثيرة لم تسطح الفكرة وحسب وإنما عمدت إلى عرض الإرهاب بأسلوب تهريجي وبمشاهد تغلب عليها الكوميديا أكثر من وضعها ضمن القضايا الحساسة التي إن ارتبطت بالكوميديا فهي على الأغلب الكوميديا السوداء لسواد مشاهدها وتخييمها الثقيل على روح العالم.

إن هذا الطرح المسطح لقضية الإرهاب في الدراما التلفزيونية يجعل المشاهد اقل تعاطفا مع هذه القضية الخطيرة، فالمشاهد ليس بحاجة إلى مسلسل يجعل الإرهابي فيه رجل دين يتشدق بالفصحى ويلبس ثوبا قصيرا ويطلق لحيته ويهرج بكلام دعوي يستغفل فيه المشاهد الذي يدقق الآن بعين واعية في كل ما يراه على الشاشة الصغيرة، خاصة فيما يتعلق بهذا الموضوع الذي يتقدم القضايا في وقتنا الراهن ويمس أمن المشاهد ودينه ووطنه.

وفي سؤال وجه للمخرجة والكاتبة الاردنية امل الحسين فيما إذا كانت الدراما التلفزيونية قدمت حلولا لموضوعة الإرهاب، قالت لموقع اليوم “الدراما تسلط الضوء على المشكلة ولا تحلها فليس هذا شأنها وهذا صحيح إلى حد ما، ولكن كشف المشكلة في حد ذاته مستويات؛ فما قدمته الدراما حتى الآن خاصة في شهر رمضان الماضي الذي يعتبر موسم الأعمال الدرامية، لا يختلف عما قدمته المقالات أو النكت، بينما الدراما لها أذرع كثيرة كانت تستطيع استخدامها لكشف المشكلة إن كانت تريد تخطي عتبة الكشف، فتحليل الشخصيات ودور المنزل والمدرسة والمسجد والمجتمع، هو احد ادوار الدراما في كشفه علماً بأن بعض الروايات قامت بكشف هذه الجوانب”.

وتعتبر الدراما الطريقة السريعة في مواجهة الإرهاب وتعريته لحيويتها في التفاعل مع القضايا المستجدة ولوجود وسائل كثيرة لخدمة هذا التفاعل تتوزع ما بين النص والممثل والمشهد والموسيقى وأسلوب الطرح، ولهذا صار من الضروري أن ينتبه المنتجون وكتاب النصوص الدرامية لخطورة موضوع الإرهاب ومحاربته والتصدي لانتشاره من خلال أعمال تلفزيونية بالتحديد تتعاون فيها كافة الأطراف والمؤسسات المعنية لتقديم إنتاج تلفزيوني على قدر كبير من الإقناع والإدهاش والوصول المبهر للعقول والوجدان معا، إنتاج واع ومخلص للفكرة ابتداء من كتابة السيناريو إلى كامل عناصر البناء الدرامي من مشهد ومملثين ومكان مناسب، بالإضافة إلى استشارة مختصين في علم الاجتماع وعلم النفس لتقديم معالجات نفسية لما تكون عليها نفسية الإرهابي ونفسية المتلقي لفعل الإرهاب، وتقديم المشورة في الزوايا التي تحتاج إلى دعم طبي.

فالإرهاب ليس مجرد نزلة برد أو مرضا موسميا يؤخذ له مطعوما وعلاجات طبية وينتهي الأمر، الأمر يتعدى هذا بكثير إذ إننا أمام مشكلة فكرية ونفسية تحتاج إلى تتبع وبحث ودراسة فهذه أزمة مست المجتمعات العربية منذ الثمانينيات وما زالت حتى الآن ولذا يفترض أن تكون الدراما خلال الثلاثة عقود الماضية قد أسست لخط درامي مسلح بالإبهار والإقناع لمواجهة الفكر المتطرف وكشفه للرأي العام، عبر أعمال تعتمد على أسس التثقيف الاجتماعي وآلياته المختلفة التي تتمثل أحيانا في تمرير الفكرة بشكل غير مباشر.

على الإبداع بكافة أشكاله أن يترك بصمته على جسد الإرهاب وشما حارقا ويملي رؤيته جنبا إلى جنب مع السلاح العسكري فالكلمة تصل إلى أعمق من الجسد، والصورة التي تحارب تعلق بالذاكرة أكثر من صوت القنبلة والرشاش.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى