نتنياهو يخضع لشركائه: فلنؤجّل «اليوم التالي»
لم ينتظر جيش الاحتلال قرار المستوى السياسي، ليحدّد موعد الانتقال إلى المرحلة الثالثة من العملية العسكرية في قطاع غزة، إذ منذ أيام، بدأت الإشارات الميدانية إلى أن الجيش الإسرائيلي شرع في إنشاء ما يشبه منطقة عازلة أو «حزاماً أمنياً» على طول حدود القطاع، وخصوصاً في شماله، مع اختلاف عمقه بين منطقة وأخرى، بحسب الدواعي الميدانية، وإن تراوح عموماً بين 1 و2 كم. كذلك، بدأت قوات العدو تنفيذ عملية إعادة انتشار في الشمال، حيث سحبت دباباتها من بعض المناطق، خصوصاً تلك الغربية، بينما عزّزت الشريط الحدودي والمناطق المفتوحة في الجهة الشرقية، أي عند الحدود مع «الغلاف».
ولم يكن تدمير حي الشجاعية، عبر القصف ثم التفخيخ والتفجير، إلا خدمة للانتقال إلى هذه المرحلة، حيث سيكون جزء من الحيّ ضمن المنطقة العازلة، خصوصاً أن العدوّ يتخوّف من تحوّل منازله إلى منطلق للعمليات ضد قواته. أما في وسط القطاع، فإن هدف الهجوم هناك، هو إبعاد أي تواجد مدني أو عسكري في مخيم المغازي ومحيطه، من أجل إتمام مسار المنطقة العازلة أيضاً. وفي هذا السياق، قال وزير الأمن، بني غانتس، أمس: «مستعدّون لمرحلة مقبلة في الحرب ستستمرّ طويلاً وتشمل عمليات قوية ومعمّقة»، مضيفاً: «نقترب من اليوم الذي سنتيح فيه عودة سكّان جزء من بلدات غزة».لكن، في المقابل، تستمرّ المقاومة في تكبيد العدو خسائر جسيمة في العتاد والأفراد، على محاور القتال كافة، مواصِلةً الإغارة على قواته أينما حاولت الاستقرار والتثبيت، بما في ذلك في الشمال. ويوم أمس، أعلن الناطق باسم «كتائب القسام»، أنه «وبعد ثلاثة وثمانين يوماً من المعركة، نؤكّد أنه لا يزال مجاهدونا في الميدان يتصدّون للعدوان على مدار الأيام والساعات، وقد بلغت حصيلة الآليات التي استهدفها مجاهدونا منذ بدء العدوان البرّي، أكثر من 825 آلية عسكرية بين ناقلة جند ودبابة وجرافة وشاحنة ومركبة». مضيفاً أن «حالة الضعف والإنهاك والتخبّط لدى قوات العدو، باتت حقيقة مُشاهدة وواضحة ولا جدال فيها، وهي تدعو كل أحد في شعبنا وأمّتنا إلى إدراك ثأره من هذا العدو المتغطرس». وأشار أبو عبيدة إلى أن المقاومة استهدفت 3 مروحيات للعدو خلال اليومين الماضيين.
في موازاة ذلك، يبدو أن استعصاء المقاومة على الانكسار، وتعاظم احتمالات تحول الحرب في غزة إلى حرب إقليمية، بفعل تطوّرات الجبهة مع لبنان، والتصعيد اليمني في البحر الأحمر، مع ما يعنيه هذا بالنسبة إلى الأميركيين من تضرّر للمصالح وتهديد للنفوذ، كل ذلك دفع «كابينت الحرب» المصغّر في الكيان، إلى وضع مناقشة ما كان يرفض نقاشه طوال الفترة الماضية، رغم الضغوط الأميركية التي يبدو أن وتيرتها ارتفعت للبحث في مسألة «اليوم التالي»، على جدول أعمال جلسته، أمس. وهذه المسألة هي، في الواقع، محور الخلاف الإسرائيلي – الأميركي، والتي كانت محلّ نقاش بين الطرفين طوال الفترة الماضية، فيما لم يطاول التباين أصل شنّ الحرب، أو أهدافها، أو حتى مسارها وتطوّر مراحلها إلى حد ما.
لكنّ الأمور لا تسير في تل أبيب، وفق ما يأمله الأميركيون؛ إذ خرج مباشرة، بعد الإعلان عن الجلسة، وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، ليعلن أن «مجلس وزراء الحرب مفوّض إدارة العملية العسكرية، وليس مناقشة سياسة اليوم التالي»، مضيفاً أن «مناقشة ما بعد الحرب، هي من مهامّ مجلس الوزراء المصغّر، وليس مجلس الحرب مع غانتس». كذلك، «غضب» زميل بن غفير، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، من كونه وزميله خارج مداولات «كابينت الحرب». وفي السياق نفسه، وفق صحيفة «يديعوت أحرونوت»، «من المقرّر أن يجتمع الكابينت الموسّع للعدو في مقرّ وزارة الجيش يوم الثلاثاء المقبل الساعة 19:00»، للبحث في اليوم التالي. ونقلت الصحيفة عن مصادر في حزب سموتريتش أن «كابينت الحرب ليس مخوّلاً القيام بذلك». وبهذا، يبدو أن المستوى السياسي سيكون أمام تحدّي اتخاذ قرار صعب، جلّى ما يعترضه قرار رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، «في اللحظة الأخيرة، عدم مناقشة اليوم التالي في مجلس وزراء الحرب، بسبب ضغوط من شركاء ائتلافه»، بحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية.
على صعيد المفاوضات، تلقّت مصر إشارات إيجابية، أمس، بشأن المبادرة التي قدّمتها لإنهاء الحرب في غزة، سواء من السلطة الفلسطينية أو كيان الاحتلال، بالإضافة إلى ما تقول القاهرة إنه الدعم الأميركي القوي لها، وسط ترقب لزيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، للمنطقة الأسبوع المقبل، والتي ستشمل مصر وإسرائيل والأردن، على الأقلّ. ووفق مصادر مطّلعة تحدثت إلى «الأخبار»، فإن «القاهرة تلقّت موافقة السلطة على المبادرة بشكل شبه كامل، عدا الجزء الخاص بالاتفاق بين الفصائل الفلسطينية، وهو الأمر الذي أكدت مصر أنه سيكون متروكاً بشكل كامل لنتائج المباحثات التي ستُعقد في القاهرة خلال الأسابيع المقبلة، مع التأكيد أن هذه المرحلة ستكون تالية لمرحلة وقف إطلاق النار، وستتزامن مع بدء الإفراج التدريجي عن الأسرى العسكريين». وبحسب معلومات «الأخبار»، فقد «وافقت السلطة على مقترح إدماج حركة حماس وباقي الفصائل في منظمة التحرير، وفق آلية سيتمّ الاتفاق عليها للتعبير عن هوية جديدة للسلطة الفلسطينية، تجمع مختلف التيارات، وتكون معبّرة عن الشعب الفلسطيني». في المقابل، تنتظر القاهرة تسلّم ملاحظات مهمة من الفصائل خلال الساعات المقبلة، لوضع صيغة جديدة للمبادرة تحقّق جزءاً ممّا تطلبه الفصائل، فيما باتت مسألة الوقف الفوري لإطلاق النار واستغراق يومين على الأقل للبدء بالتجهيز لعملية تبادل الأسرى، أولويّة بالنسبة إلى المصريين.
وفي حين وصل، أمس، وفد إسرائيلي إلى القاهرة، للحديث بشكل معمّق حول المبادرة، عُلم أنه سيكون هناك اجتماع آخر في الدوحة قريباً في حال سير الأمور كما هو مخطّط. كما سيتوجّه، اليوم، وفدٌ قيادي من حركة «حماس» إلى القاهرة، لتسليم ردّ الفصائل على المقترح المصري، والذي يشمل «جملة من النقاط والملاحظات بشأن تبادل الأسرى وضمانات الانسحاب العسكري بشكل كامل من القطاع». وبحسب مصادر «الأخبار»، طلبت مصر من إسرائيل «تعهّدات بعدم شن أي أعمال عسكرية قتالية، سواء برية أو جوية، خلال فترة المرحلة الثانية من المبادرة، خاصة مع إعادة التموضع المقترح للقوات الإسرائيلية في غزة خلال فترة الهدنة، التي يُتوقّع أن تبدأ قبل منتصف كانون الثاني المقبل، وربّما قبل نهاية الأسبوع المقبل في حال الإسراع في التوافق على بعض الأمور العالقة التي لم يكن هناك نقاش معمّق بشأنها، وفي مقدّمتها وضع القوات العسكرية الموجودة على الأرض». لكن وفقاً للمصادر المصرية، فإن «أي عملية تفاوضية للوصول إلى تسوية نهائية، لن تكون قبل مطلع 2025، لأسباب لها علاقة بالانتخابات الأميركية، بالإضافة إلى التغيير الحكومي المتوقّع في إسرائيل، وهو أمر سيخلق مساحة من الوقت للتفاوض الفلسطيني – الفلسطيني».
صحيفة الاخبار اللبنانية