في تقريره الختامي شخص منتدى دافوس الأخطار التي تحيط بالعالم، ووجد أن (التضليل ونشر المعلومات الخاطئة) هو أهم المخاطر على المدى القصير. وكل ما تخوف منه واضعو التقرير تأثير التضليل على الانتخابات المتوقع حدوثها في العامين المقبلين، حيث يتوجه ما يقرب من ثلاثة مليارات شخص إلى صناديق الاقتراع في العديد من الاقتصادات المتقدمة بما فيها بنغلاديش والهند وإندونيسيا والمكسيك وباكستان والمملكة المتحدة و الولايات المتحدة. وهؤلاء المتوجهون إلى الانتخابات مهددين بمخاطر انتشار المعلومات الخاطئة أو المضلله حسب التقرير، وتضمن كل ذلك تخوف التقرير على الديمقراطية وعلى صوابية اختيار الناخبين لممثليهم.
رأى التقرير ان خطر التضليل يتمثل بما يسببه من (استقطاب) وهو كما يبدو صيغة مخففة لـ (الانقسام السياسي المؤسس للصراعات، بما فيها الحروب سواء عبر الجيوش أو الميليشيات الوكيلة أو تنظيمات إرهابية مستولدة لخدمة جهة من الجهات. وكل هذه المصائب المتولده عن الانقسام جرى تجميلها بوضعها ضمن عبارة (الاستقطاب)، و كأنه اسم الدلع يجملها ويغلفها بطبقة سكر تحليها و تجعلها مقبولة.
لم يتم التفصيل في التقرير بانواع التضليل. لذلك لم يجر ذكر (كذب السياسيين) كما لم يتطرق في وصفه للتضليل إلى عامل (الغش الإيولوجي). إضافة إلى تجاهله (التحريف الديني)، علاوة على (ترويج ذرائع الديمقراطية أو حقوق الإنسان) وهي كلها أسلحة يستخدم كل طرف منها ما يفيده في حروبه لتحقيق مطامعه ومصالحه وأهدافه السياسية. أي أن التضليل بكل أشكاله ما هو إلا سلاح سياسي تستخدمه القوى السياسية كل حسب تطوره وكل وفق مصالحه أو أطماعه.
بالمقابل، فصل التقرير في النتائج المترتبة على التضليل فرأى أن تأثيره على الانتخابات سيؤدي إلى التشكيك في شرعيتها فتصبح المواجهة المدنية محتملة. وربما تمتد إلى صراعات داخلية وإلى الإرهاب وانهيار الدولة في الحالات الأكثر تطرفا. كما أن المعلومات الخاطئة تؤثر على التجارة العالمية و الأسواق المالية. كما يمكن أن يؤدي التضليل ألمدعوم من الدولة إلى تدهور العلاقات بين الدول، و إلى ازدياد الجرائم السيبرانية واحتجاز الأفراد. وبذلك يصبح التضليل مصدرا للاضطراب المجتمعي والسيطرة من قبل الجهات الفاعلة محليا. ويؤدي إلى إخضاع القوى المسيرة للآخرين و تسخيرهم في خدمة أجنداتها السياسية.
أخر موضات التضليل ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية. فهي من جهة تعلن حرصها على المدنيين في غزة وتطالب بإدخال المساعدات الإنسانية لهم مؤكدة أن حل الدولتين بما يتضمنه من إقامة دولة فلسطينية هو طريق السلام لكل من إسرائيل والفلسطينيين. كل ما تقدم هو إعلان أمريكي تضج به تصريحات القادة الأمريكان، ولكنهم في الواقع هم يعارضون وقف إطلاق النار ويدعمون هدف أسرائيل بإنهاء المقاومة الفلسطينية، ويزودون إسرائيل بكل الأسلحة المتطورة والمتقدمة لتدمير غزة وقتل شعبها أو تهجيره. انه تضليل أهدافه قتل القضية الفلسطينية، وكل ما يفعله هو تعميق جذور الصراع والنزاعات في المنطقة خاصة وانه طالما لم يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه الوطنية بدولة حقيقية مستقلة وعاصمتها القدس لن تهدأ المنطقة ولن يسود أي سلام أو أمن في بلاد الإقليم.
التضليل والمعلومات الخاطئة والغش السياسي والكذب الإيولوجي والتحريف الديني، كلها فعالية واحدة بوجوه متعددة. وكلها تتسبب بتأجيج الصراعات والحروب وتدفع البشرية إلى ما تنتجه مطامع السيطرة والهيمنه وبسط النفوذ من بؤس وشقاء وصراعات مستمرة…. السؤال، كيف يمكن لمستقبل الإنسانية أن ينجو من تطور هذا التضليل وتفاقمه خاصة وأن معظم مبتكرات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يمكن أن تستخدم في خدمة هذا التضليل السياسي بكل أنواعه..
بوابة الشرق الأوسط الجديدة