حوادث القتل والكراهية في أميركا

مثلما يبقى كثير من الأسئلة من دون إجابة بشأن سيد فاروق وزوجته تاشفين مالك، اللذين قتلا 14 شخصاً في حفلة عمل في سان بيرناردينو بولاية كاليفورنيا، هناك أيضاً أسئلة كثيرة تبدو إجاباتها واضحة وضوح الشمس، وبصورة مفجعة.

فصدمة جريمة القتل هذه تردّدت أصداؤها إلى خارج «جنوب كاليفورنيا»، حيث تابعت أميركا بأسرها هذا الكابوس وقت حدوثه. وبرغم أن كثيراً ممن تسمّروا أمام أجهزة التلفزيون قد لا تجمعهم سابق معرفة بالضحايا، إلا أنهم شعروا بمرارة الألم والفقدان وانعدام الأمن الذي صاحب عشوائية الجريمة المقترفة.

لكنّ أكثر من حادث إطلاق نار جماعي يقع في اليوم الواحد في الولايات المتحدة. وفي كثير من الأحيان، يرتكب هذه الأعمال المروعة أفرادٌ مضطربون عقلياً يمكنهم الحصول على أسلحة قاتلة من دون تمييز. وتكون بعض الجرائم بدافع الغضب وبعضها بقصد سياسي. وفي الحالة الأخيرة، سواء أكان الأمر في كنيسة بجنوب كاليفورنيا، أو في عيادة بكولواردو، أو في حفلة عمل بكاليفورنيا، فقد سُجلت مواقف تصرّف فيها أشخاص مخبولون مدجّجون بالأسلحة بناء على خيالاتهم الأيديولوجية، لينهوا حياة أشخاص عاديين قُدّر لهم أن يكونوا في الزمان والمكان الخاطئين. وسواء أكان الدافع يتصل بأوهام «سمو البيض»، أو أنه يكمن في محتوى تسجيل فيديو يشجع على بيع أعضاء الأجنّة، أو بتحريفات لتعاليم الدين، فإن هذه الجرائم متماثلة، والضحايا متشابهون، ونعاني جميعاً من الصدمة وفقدان الأمن كما في كل مرة.

لكن ثمّة اختلاف واحد مهم، وهو أنه عندما يكون الجاني مسلماً، تنتشر أخبار الجريمة لتحدث أضراراً في أنحاء البلاد بأسرها. فبعد جريمة «شارلستون» التي ارتُكبت في كنيسة يرتادها أميركيون من أصول أفريقية في حزيران الماضي وقضى بنتيجتها 9 أشخاص، كانت هناك جهود لإزالة علم الفدرالية عن مبنى مجلس الشيوخ في الولاية، لكن الجنوبيين البيض، الذين زعموا أن العلم هو ميراثهم، لم يُتهموا بارتكاب جرائم كراهية. وبعد الهجوم على عيادةٍ لتنظيم الأسرة في حادثة أخرى، لم يواجه النشطاء المناهضون للإجهاض ومنظماتهم موجة من التهديدات بالقتل، ولم تتعرّض مقارهم للتخريب. لكن بعد حادث «سان بيرنانردينو»، اضطر مسلمون أميركيون أبرياء مرة أخرى إلى تحمّل المضايقة والكراهية. وتعرّضت المساجد مجدداً للتخريب، لأن فاروق ومالك ارتكبا أعمالاً مروعة، تمّ تحميل مسؤوليتها لمسلمين آخرين..

وقد أصابت تداعيات ذلك مقرّ عملي بشكل خاص، فواحدة من الشابات اللواتي يعملن في مكتبي جاءت إلى العمل معتمرة «قلنسوة» لأن والدتها خشيت عليها من أن تغادر المنزل بحجابها. وتلقت شقيقة امرأة أخرى في مكتبي تهديدات بالقتل بعدما خرجت من مدرستها الثانوية. وقد أبدى الزملاء في العمل تضامناً معهنّ، لكنهن صُدمن من ذلك التعصب.

وتهديدات القتل والكراهية ليست غريبة عليَّ. لذا، فإني أتفهّم ما يتعرّضن له. فبعد أحداث الحادي عشر من أيلول، قام ثلاثة أشخاص بتهديدي، وبلغ بأحدهم الحدّ إلى التهديد بقتل أبنائي. وتلقت ابنتي، التي كانت قد التحقت لتوّها بالجامعة، تهديداً بالقتل في اتصال هاتفي أثناء تواجدها بالجامعة. ما فعلته جرائم الكراهية حينها، هو أنها منعتني وأسرتي من مشاركة سائر الأميركيين الشعور بالأسى بعد هجمات واشنطن ونيويورك، حيث كانت أولويتنا تتمثل بالخشية من استهدافنا.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى